post

الذكرى 98 لاستشهاده.. الدغباجي المناضل الثائر الذي ظلّ كابوسا يؤرق الاستعمار الفرنسي

تونس الثلاثاء 01 مارس 2022

يزخر التاريخ التونسي بأسماء شخصيات خطّت بدمائها مسيرات نضالية وبطولية من أجل تحرير الوطن من المستعمر الفرنسي، وقادت وشاركت في عمليات عسكرية نوعية وساهمت بشكل كبير في مقاومة الاستعمار. ولعلّ من أبرز الشخصيات البطولية التي بقيت عالقة في أذهان التونسيين إلى اليوم، المناضل التونسي محمد الدغباجي.

وأحيت مدينة الحامة، اليوم الثلاثاء، الذكرى 98 لاستشهاد المناضل محمد الدغباجي الذي أعدمته قوات الاحتلال الفرنسي في مثل هذا اليوم من سنة 1924 في ساحة بوسط مدينة الحامة أمام أهله بغاية اذلالهم وزرع الرعب في قلوبهم.

وانتظم بالمناسبة وبمبادرة من المكتب الجهوي بقابس لجمعية "الوفاء للمقاومين والمناضلين وشهداء الحركة الوطنية"، موكب خاشع بروضة الشهداء بالحامة تلا فيه الحاضرون ومن بينهم العديد من المقاومين والمناضلين فاتحة الكتاب على الروح الطاهرة للشهيد محمد الدغباجي الذي ولد في الحامة سنة 1885.

وللشهيد الدغباجي مكانة متميزة لدى اهالي الحامة حيث يعد بالنسبة اليهم مثالا للشجاعة ولحب الوطن اذ تمكن من قهر المستعمر الفرنسي بفضل بطولاته والخسائر الكبيرة التي ألحقها بجنوده فضلا عن كونه لم يكن يخشى الموت حتى في لحظة إعدامه.

لمحة تاريخية

ولد محمد الدغباجي أو محمد بن صالح الزغباني الخريجي، والذي كان يكنّى بـ"الدغباجي"، في مدينة الحامة من ولاية قابس، عام 1885، سنوات قليلة بعد دخول الاستعمار الفرنسي المباشر للبلاد التونسية.

التحق الدغباجي مكرهًا بالجندية الفرنسية سنة 1907، عندما كان يبلغ من العمر 22 ربيعًا، بعدما أجبرته الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة على قبول التجنيد. وإثر إتمام السنوات الثلاث المطلوبة عام 1910، عاد مضطرًا للعمل بالجيش متطوعًا بسبب الحاجة سنة 1913.

وقع حينها تعيين محمد الدغباجي من قبل السلط الفرنسية ضمن عناصر النجدة على الحدود التونسية الليبية، فبدأت ترد إلى مسامعه أنباء انتصارات الليبيين على الإيطاليين، فبدأ يفكّر في الفرار من الجندية في الوقت الذي كانت فيه فرنسا مشغولة بالحرب العالمية الأولى.

لم يفكّر الدغباجي في المسألة طويلًا، إذ فرّ من المعسكر الفرنسي بذهيبة في ولاية تطاوين، والتحق بصفوف المقاومة مع خمسه من رفاقه. شارك في البداية في مهاجمة الحصون الفرنسية بالحدود كجندي بسيط، لكن إقدامه وشجاعته وحسن رمايته، مكنوه من اكتساب شهرة واسعة وحظوة لدى القائد الليبي خليفة بن عسكر النالوتي.

كان المناضل التونسي الشاب آنذاك مصممًا على النيل من المستعمر الفرنسي، فقام بتكوين مجموعة فدائية عادت خلسة عبر التراب الليبي، ولكن عندما علم الفرنسيون بذلك عزموا على النيل منه وطالبوا برأسه خصوصًا بعد حادثة "الزلوزة" في غرة جانفي 1920، والتي قُتل فيها عدد من أعضاء الديوانة الفرنسية.

وانتقامًا من الدغباجي ورفاقه من المناضلين، عمل الفرنسيون على التنكيل بأهالي الدغباجي فقاموا بردم الآبار والمواجل لقطع المياه عن المقاومين، ونقلوا الأهالي مع حيواناتهم إلى الحامة ووضعوا الرجال في السجن والنساء في محتشد خاص. كما أجبر السكان على حمل السلاح ومطاردة المقاومين بقيادة "عمارين عبد الله بن سعيد"، مقابل التعهد بمنحه منصب خليفة الحامة.

وحاول بن سعيد استدراج محمد الدغباجي، لكن هذا الأخير تفطن لحيلته وردّ عليه في رسالة بتاريخ 16 فيفري 1920، قال فيها "أنتم تطلبون منا الرجوع إلى ديارنا لكن ألسنا في ديارنا؟ إنه لم يطردنا منها أحد، فحركتنا تمتد من فاس إلى مصراتة، وليس هناك أحد يستطيع إيقافنا.. ونقسم على أننا لو لم نكن ننتظر ساعة الخلاص لأحرقنا كل شيء، والسلام من كل جنود الجهاد".

ونجح الدغباجي في إشعال عديد المعارك في الجنوب التونسي من بينها معركة "خنقة عيشة"، و"المحفورة"، وواقعة "المغذية" من ولاية صفاقس، والتي واجه فيها بمعيّة قلّة من رفاقه حوالي 300 عسكري فرنسي، وتمكن خلالها من النجاة بفضل بني عمّه، الأمر الذي جعل السلط الاستعمارية تسلّط ضدّهم عقابًا شديدًا. كما كاد أن يسقط ابن الجنوب الثائر بين أيدي القوات الاستعمارية وهو جريح أثناء معركة "الجلبانية".

وفي 27 أفريل 1921، تمّت محاكمة الدغباجي غيابيًا والقضاء بإعدامه مع جمع من رفاقه الذين التحقوا بالتراب الليبي، إلا أن المستعمر الإيطالي تمكن بعد فترة من القبض عليهم وتسليمهم للسلطات الفرنسية. وفي غرّة مارس 1924، تمّ اقتياد المناضل التونسي محمد الدغباجي إلى سوق ساحة البلدة حيث أعدم. ويروي العديدون أنه رفض وضع العصابة على عينيه ساخرًا من الموت.

كما يُروى أن زوجة والده زغردت لهذا المشهد، وهتفت مباركة شجاعته والشرف الذي نالها منه، وأنه أجابها وهو يبتسم "لا تخشي علي يا أمي فإني لا أخاف رصاص الأعداء، ولا أجزع من الموت في سبيل عزّة وطني.. الله أكبر ولله الحمد".

وبعد مرور 98 عامًا على إعدامه بقي اسم الدغباجي محفورًا في سجلات التاريخ، مُقدمًا النموذج والمثل على النضال والدفاع عن تراب الوطن، تاركًا إرثًا من العزة والكرامة يتناقله التونسيون جيلًا بعد جيل. وخلّدت المسيرة البطولية لمحمد الدغباجي لا في أذهان التونسيين فقط، بل باتت قصته تتردّد على الألسن من خلال هذه الأبيات:

"جو خمسة يقصوا في الجرة        وملك الموت يراجي

ولحقوا مولى العركة المرة          المشهور الدغباجي".

inbound1045658308460802122.jpg

من الممكن أن يعجبك أيضاً