post

انسحب من العمل السياسي.. ما مدى تأثير قرار الحريري على الانتخابات البرلمانية اللبنانية المقبلة؟

الشرق الأوسط الثلاثاء 25 جانفي 2022

أعلن رئيس الحكومة اللبنانية السابق، والنائب في تيار المستقبل سعد الحريري تعليق عمله السياسي وعدم ترشحه للانتخابات البرلمانية التي ستقام في 15 ماي المقبل.

وعاد الحريري إلى لبنان، بعد غياب خمسة أشهر، تلت اعتذاره عن تشكيل الحكومة، لكن هذه المرة حاسماً أمره بشكل نهائي بأنه لن يكون مرشحاً للانتخابات البرلمانية، وعلى الأرجح لن يكون هناك مرشحون باسم تيار المستقبل الذي يقوده الرجل منذ العام 2005، عقب اغتيال والده رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري.

وقال الحريري في سلسلة تغريدات عبر حسابه الرسمي على "تويتر": "من باب تحمل المسؤولية، ولأنني مقتنع أنه لا مجال لأي فرصة إيجابية للبنان في ظل النفوذ الإيراني والتخبط الدولي، والانقسام الوطني واستعار الطائفية واهتراء الدولة، أعلن التالي: أولا، تعليق العمل بالحياة السياسية، ودعوة عائلتي في تيار المستقبل لاتخاذ الخطوة نفسها".

وأضاف: "أعلن عدم الترشح للانتخابات النيابية وعدم التقدم بأي ترشيحات من تيار المستقبل أو باسم التيار، ولأحبتي أبناء وبنات مدرسة رفيق الحريري: نحن باقون بخدمة أهلنا وشعبنا ووطننا، لكن قرارنا هو تعليق أي دور أو مسؤولية مباشرة في السلطة والنيابة والسياسة بمعناها التقليدي".

وأشار الحريري إلى أن "منع الحرب الأهلية فرضت عليّ تسويات، من احتواء تداعيات 7 ماي إلى اتفاق الدوحة إلى زيارة دمشق إلى انتخاب ميشال عون إلى قانون الانتخابات، وغيرها، وأن هذه التسويات، التي أتت على حسابي، قد تكون السبب في عدم اكتمال النجاح للوصول لحياة أفضل للبنانيين".

وهذا القرار وفقا لمعظم المحللين لن يكون قراراً سهلاً على مستوى الواقع السياسي اللبناني الذي يمثل الحريري فيه لبنة رئيسية بكونه الممثل الأكبر للطائفة السنية في البلاد منذ قرابة 17 عاماً. وانعكاسات اعتزال الحريري العمل السياسي ستكون لها أثرها على السنة في لبنان، الذين يعيشون مرحلة سياسية دقيقة منذ التسوية الرئاسية التي أتت بمرشح حزب الله ميشال عون رئيساً للجمهورية.

وطيلة الـ17 عاماً في السلطة، كأكبر نيابية في البرلمان وكرئيس حكومة مرات عدة وكشاهد في المحكمة الخاصة بلبنان، لم تخلُ مسيرة الحريري من خيبات أمل عدة، بدءاً من المحكمة بالذات، التي توصلت في أوت 2020، إلى اتهام المسؤول العسكري في حزب الله، سليم عياش، بالضلوع في اغتيال الحريري الأب، في حكمٍ وُصف بـ"الباهت" قياساً على الزخم الإعلامي والسياسي الذي رافق مسار المحكمة، التي بدأت بعدها تعاني من أزمة تمويل تمنعها من مواصلة أعمالها.

الحريري الفائز بأكبر الكتل النيابية في تاريخ لبنان في انتخابات 2005، وقائد تجمّع "14 مارس" في مواجهة فريق "8 مارس"، تعرّض لأقسى ضربة له، بدأت مع حصار حزب الله وحلفائه السراي الحكومي في ساحة رياض الصلح في بيروت، بدءاً من مطلع عام 2007، احتجاجاً على دعم الحكومة لشهودٍ في قضية الحريري، اتهموا حزب الله وسورية باغتياله.

وتجلّت الضربة بداية مع استقالة الوزراء المحسوبين على حزب الله وأمل ورئيس الجمهورية الأسبق إميل لحود، من الحكومة بقيادة فؤاد السنيورة، في نوفمبر 2006، ثم رفض الحكومة اعتبار نفسها مستقيلة، بل استمرت في مواصلة أعمالها.

وفي نوفمبر 2007، انتهت ولاية لحود الرئاسية، ما جعل صلاحياته بيد مجلس الوزراء مجتمعاً، رغم تكليف لحود الجيش اللبناني تسلّم أمن البلاد وفقاً للمادة الرابعة من قانون وزارة الدفاع.

وازداد الضغط في لبنان وصولاً حتى 5 ماي 2008، حين أصدرت الحكومة قراراً بإزالة شبكة الاتصالات الخاصة بحزب الله (وهي منفصلة عن شبكة الدولة اللبنانية) وإقالة قائد جهاز أمن مطار بيروت الدولي العميد وفيق شقير (المحسوب على حزب الله).

واعتبر الحزب القرارين "إعلان حرب" ضده، فاجتاح مراكز تيار "المستقبل" في بيروت بمشاركة أمل والحزب السوري القومي الاجتماعي، مشعلاً معارك متنقلة استمرت حتى يوم 11 ماي، تخللتها اشتباكات بين الحزب و"التقدمي الاشتراكي" في معاقل الأخير، قبل أن تنتهي باتفاق الدوحة في قطر، الذي أوقف المعارك وسهّل المسار السياسي بتشكيل حكومة جديدة وانتخاب قائد الجيش، العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية.

وعاد الحريري وانتصر في انتخابات 2009، لكنه فشل في استثمار انتصاره، في ظل توافق سعودي ـ سوري، تُرجم بلقاءات على مستوى رئيس النظام السوري بشار الأسد والملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز.

وعلى الأثر زار الحريري سورية ست مرات بين عامي 2009 و2010. وبعدما كال الاتهامات لها باغتيال والده، وصف من دمشق، هذا الاتهام بـ"السياسي" وأنه كان "مخطئاً فيه".

وأضعفت الزيارات وهج الحريري، وصولاً إلى إسقاط حكومته من قبل وزراء حزب الله وأمل و"التيار الوطني الحر"، خلال اجتماعه مع الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما في 12 جانفي 2011، بسبب المحكمة الدولية نفسها، والدور الذي كانت تؤديه "ضد المقاومة" وفقاً لأدبيات المستقيلين.

ومع بدء مواسم الربيع العربي، واندلاع الثورة السورية، تغيرت المعطيات في لبنان. وتدخل حزب الله بشكل علني إلى جانب الأسد في عام 2011، وبدأ السوريون يفرّون من بلادهم إلى دول الجوار، ومنها لبنان.

ثم في عام 2014، اختار الحريري رئيس "القوات اللبنانية" سمير جعجع مرشحاً في الانتخابات الرئاسية، ثم رئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية، المنتمي إلى فريق "8 مارس" بعد تضاؤل حظوظ جعجع، لكن تمسك حزب الله بالنائب في حينه ميشال عون، عطّل الاستحقاق الرئاسي عامين كاملين، قبل أن يجري الحريري "تسوية رئاسية" مع صهر عون، النائب جبران باسيل، بمشاركة رئيس مكتب الحريري في حينه نادر الحريري (وهو ابن عمّته أيضاً).

وشكّل الحريري أولى وثاني حكومات عهد عون، قبل أن يتعرّض في انتخابات 2018، لأكبر نكسة انتخابية، مع تراجع عدد نواب كتلته إلى 20 نائباً، بعدما وصل في مرات سابقة إلى 35 نائباً.

ثم انفجرت الأوضاع المعيشية في 17 أكتوبر 2019، مع اندلاع الاحتجاجات في مختلف المناطق اللبنانية، فأعلن استقالته في 29 أكتوبر من العام عينه، وباشر الانفكاك عن عون.

كما سبق له أن قدّم استقالته من رئاسة الحكومة في نوفمبر 2017، من السعودية، في أسابيع جرى الحديث فيها عن "اختطافه" هناك، قبل العودة إلى بيروت في يوم عيد الاستقلال في 22 نوفمبر من العام عينه، ومتراجعاً عن الاستقالة.

وأُعيدت تسمية الحريري مجدداً رئيساً للحكومة في أكتوبر 2020، بعد استقالة حكومة حسان دياب، لكنه عاد واعتذر عن التشكيل في منتصف عام 2021، مغادراً البلاد. كما أقفل مؤسسات عدة، ومن بينها تلفزيون "المستقبل".

وعلى الرغم من محاولته تحقيق التوازن مع خصومه، خصوصاً "التيار الوطني الحر" وحزب الله، إلا أن الحريري تمتع بعلاقات قوية مع رئيس المجلس النيابي، رئيس حركة "أمل" نبيه بري، المحسوب على حزب الله.

حتى أن بري دفعه مراراً لمواصلة العمل السياسي في لبنان، بل أن الحريري زاره في الأيام الأخيرة لإبلاغه قرار عزوفه عن الترشح للانتخابات.

ولا تتوقف مسألة الحريري هنا، فالحديث في الأوساط السياسية في بيروت يدور حول احتمال عزوف رؤساء حكومات سابقين عن الترشح، تضامناً مع الحريري. وبدأ تمّام سلام هذه الخطوة بإعلانه عدم الترشح للانتخابات، وسط كلام عن نوايا مماثلة للسنيورة ورئيس الحكومة الحالي نجيب ميقاتي.

ومع أن البعض ربط عزوف الحريري وتيار المستقبل عن المشاركة الانتخابية بالمقاطعة المسيحية لأول انتخابات بعد الحرب اللبنانية (1975 ـ 1990)، وجرت في عام 1992، إلا أن المفارقة تكمن في أن انسحاب تيار "المستقبل" ليس خياراً طائفياً حتى الآن، ما لم يمنح داء الإفتاء "بركة" المقاطعة، بصورة مماثلة لما فعل البطريرك الماروني الراحل نصرالله صفير منذ 30 عاماً، حين دعا المسيحيين للمقاطعة الانتخابية.

ردود الأفعال

وتوالت ردود الفعل في لبنان على إعلان الحريري تعليق مشاركته في الحياة السياسية، أبرزها على لسان رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط، الذي اعتبر في حديث لوكالة "رويترز" أن قرار الحريري يعني "إطلاق يد حزب الله والإيرانيين في لبنان". وقال جنبلاط، في تغريدة على حسابه عبر "تويتر"، "تيتم الوطن اليوم والمختارة (مقر جنبلاط) حزينة وحيدة".

من جهته، قال رئيس الوزراء نجيب ميقاتي إن "كلام سعد الحريري اليوم صفحة حزينة للوطن ولي شخصياً، ولكنني أتفهم الظروف المؤلمة التي يعيشها والمرارة التي يشعر بها"، وأضاف "سيبقى الوطن يجمعنا والاعتدال مسارنا ولو تغيرت الظروف والأحوال".

ولم يعلن ميقاتي موقفه رسمياً بعد بشأن الترشح للانتخابات النيابية في ظل تقاطع المعلومات بهذا الخصوص، وتتقدمها نيته العزوف لأسباب تعددت منها ربطاً بدوره كرئيس حكومة في العملية الانتخابية، وأخرى تتصل بخطوة الحريري التي قد تستكمل على مستوى نادي رؤساء الحكومات السابقين تمام سلام، وفؤاد السنيورة، ونجيب ميقاتي.

بدوره، فضّل رئيس الوزراء الأسبق فؤاد السنيورة عدم التعليق الآن على الكلام المثار وقرار الحريري مكتفياً بالقول في تصريح صحفي: "أرصد حالياً ردود الفعل والتي على أساسها نفكر ما العمل".

وقال رئيس الوزراء السابق تمام سلام، الذي كان أعلن قبل أيامه عزوفه عن الترشح للانتخابات النيابية، إن "موقف الحريري لا يعبر فقط عما توصل إليه من اقتناع في هذه المرحلة التي يمرّ بها لبنان واللبنانيون بل يعكس أيضاً الخلل العميق في التوازنات السياسية والوطنية المفقودة للحفاظ على وحدة الوطن وأبنائه".

وقال رئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية، حليف "حزب الله"، والذي دائماً ما يُحكى عن تعويله على دعم الحريري له كمرشح رئاسي: "بمعزل عمن يتفق أو يختلف معه فإن الرئيس سعد الحريري وجه من وجوه الاعتدال في لبنان وغيابه عن الساحة السياسية سيخلق فرصة للضعفاء الذين سيعمدون إلى المزايدات التي تعزز التطرف والتطرف هو أكبر خطر على مستقبل لبنان".

وفي المقابل، فضّل عددٌ من نواب "التيار الوطني الحر" (بزعامة النائب جبران باسيل صهر الرئيس ميشال عون) عدم التعليق على كلمة الحريري، مؤكدين، أن التيار يعقد اجتماعه الدوري اليوم وسيخرج بموقف بهذا الخصوص.

واكتفى مصدر نيابي في "حزب الله"، فضل عدم الكشف عن اسمه،  بالتأكيد أن "الحريري صاحب القرار الأول والأخير وهو العالم بمصلحته وتياره السياسي وكنا نحبّذ بقاءه في الساحة السياسية والنيابية ولا سيما لما يمثله في الطائفة السنية لكنه ارتضى العزوف"، وأبدى بعض الانزعاج من الرسائل التي مررها حول النفوذ الإيراني.

وشهدت مناطق في بيروت، تحركات بمجرد ختام كلمته، ترافقت مع قطع للطرقات بالمستوعبات والإطارات المشتعلة. وطالب مناصرو "المستقبل" الحريري بالتراجع عن قراره، خصوصاً أنهم يخشون المرحلة المقبلة من بعده، لما يمثله من رمز للاعتدال وضمانة لهم ولغياب أي بديل عنه يمثل الطائفة السنية على حدّ تعبيرهم، ملوحين إلى تحركات تصعيدية في الأيام المقبلة.

inbound8363701521645514492.jpg

من الممكن أن يعجبك أيضاً