post

بحزن ودمع ترك أهل الأرض.. ريّان من الأرض خرج وإلى الأرض يعود

المغرب العربي الأحد 06 فيفري 2022

في قرية الزراعية ''إغران'' التابعة لمنطقة تمروت بإقليم شفشاون، شمالي المغرب، سقط في بئر بعمق 32 مترا، وبقي عالقا أكثر من 100 ساعة، ورغم جروحه وصغر سنّه، صمد الطفل ريّان البالغ من العمر خمس سنوات، وحيدا تحت الأرض وقاوم طويلا في ظلام دامس وبرد قارس وجوع وعطش، ولكن جسده النحيل لم يحتمل وانتقلت روحه من باطن الأرض إلى عنان السماء بحثا عن الرحمة.

فبعد أن استبشرنا مثل كل من تابع عملية إنقاذ الطفل ريان الذي سقط في بئر، ومكث فيه لمدة خمسة أيام، بوصول فرق الانقاذ إليه واخراجه بعد جهود جبارة، أعلنت السلطات المغربية خبر وفاته.

مات ريان معتقدا أنه وحيد تحت التراب لا أحد أتى لمساعدته، دون أن يعلم أن العالم كله كان يتشوق لرؤيته يخرج من البئر في أحسن حال. لمدة دقيقتين كان الملايين من الأشخاص في فرحة عارمة، وفي ظرف ثانية واحدة أصبح الصمت يسود المكان وكأن كل عائلة فينا فقدت طفلها.

جاء إلى هذه الدنيا بسرعة وحب، عاش في العالم خمس سنوات فقط، أوقع الملايين في حبّه، ذهب ريّان فكان في استقباله محمد الدرّة يحمل في يده الرصاصة الصهيونية وغيلان الكردي وبين كفيه مياه شواطئ اليونان وأطفال كثر من مشارق الأرض ومغاربها يحملون في أياديهم شظايا المتفجرات وثلوج المخيمات وركام المباني وغازات المحرّمات وأواني فارغة من الطعام...

لا شك أن الرحيل موجع جدّا، لكن لا بدّ أن تكون المأساة درسا للعرب للتّفكير في أطفال آخرين كثر يواجهون ظروفا لا تقلّ مأسويّة يحتاجون إلى الإنقاذ، أطفال براءة ضحايا حروب وصراعات وجوع وتشريد وقهر وإهمال وثلوج وركام وقنابل ومتفجرات...

ذهب ريّان ربما نتيجة الإهمال والتخاذل، ولكنه أيقظ أمّة بأكملها ثم نام قبل الوداع. أحيت محنة ريان شعورا عربيا بالتضامن والترقب غاب منذ زمن، حتى ظن البعض أنه لن يعود.

طفل صغير مازال لم يعرف الدنيا وأسرار الحياة، قدم للأمة عموما وللعرب خاصة درسا لن ينساه التاريخ. ذلك الدرس الذي بفضله وحّد الشعوب العربية والإسلامية فيما بينها فأصبح الكل ينادي ويدعو له بالنجاة.

الجزائر تتعاطف مع المغرب، تونس وليبيا وموريتانيا ومصر والسودان وجزر القمر والخليج العربي وسائر الدول الإسلامية كسروا حاجز الفتنة والخلافات التي صنعتها السياسة والرياضة والاقتصاد وأظهروا للعالم أجمعه بأنهم أمة واحدة ولا تفرقهم لا الرياضة ولا السياسة.. فموقف العرب من الطفل المغربي الذي سقط في البئر يؤكد بأن عاطفة الشعوب العربية وحبّهم لبعضهم أكبر وأعظم بكثير من مخططات التفريق بينها.

مات ريّان ليس أمام أعين أهله فحسب بل مات أمام أنظار العالم بأكمله وببطء، ليعلمنا درسا قاسيا وهو أن نشعر بأطفال العالم في سوريا واليمن وفلسطين وإفريقيا وبورما الذين يموتون جوعا وبردا وحرقا..

فلتكن وفاة ريّان المؤلمة عهدا بأن لا نصمت بعد اليوم على محنة أطفال هذه الأمة جميعا، أطفال فلسطين، سوريا، اليمن، وغيرهم.. لنأخذ العبرة من درس ريان، أنه ليس مجرد درس بل فرصة لكي تستفيق الأمة الإسلامية من وضعها.

فالبئر هو آبار: بئر الحرمان وبئر البرد وبئر الجوع وبئر التهجير وبئر القصف وبئر الحرق وبئر الغرق وبئر الموت.. ملايين ريان في هذا العالم يموتون جوعا.. ظلما.. قهرا.. ولكن ضمير العالم يتجاهلهم ولا يراهم.

توفي ريّان وترك للعالم رسالة لحماية الأطفال في كل مكان، ولكن كم من ريّان فيك يا عرب؟ وكم من ريّان يصارع الموت في هذا العالم؟

رحمه الله ريان رحمة واسعة وأحسن إليه ورزق أهله وذويه جميل الصبر والسلوان. إنا لله وإنا إليه راجعون.

inbound5447975640874230694.jpg

من الممكن أن يعجبك أيضاً