post

تعدّدت أوجه النضال.. هل تصمد المنظومة الديمقراطية في وجه الانقلاب؟

تونس الجمعة 17 جوان 2022

مع إصرار الرئيس قيس سعيّد على المضي في برنامجه الانقلابي بسرعة كبيرة، تدخل تونس منعرجا خطيرا في أزمتها السياسية، في وقت تتصاعد فيه الأزمة الاقتصادية والاجتماعية. ولكن حجم المقاومة كشف أن النضال المدني و10 سنوات من الحرية، أعطيا حدا معقولا من المناعة للمنظومة الديمقراطية في تونس.

وأكد متابعون للشأن العام أن سعيّد بصدد اتخاذ خطوات انعزالية تكرس عزلته في الداخل والخارج، حيث أن كل القوى السياسية والاجتماعية والمدنية انفضّت من حوله، وهو ما يؤثر على شرعيته وعلى قدرته على التقدم.

وكانت قيادة الاتحاد العام التونسي للشغل في مقدمة الأطراف المدنية والسياسية المؤيدة للخامس والعشرين من جويلية 2021 عندما بدأ سعيّد إجراءاته الاستثنائية واعتبرته حركة تصحيحية لا مفر منها.

وتوقعت أن يتخذها الرئيس شريكاً رئيسياً لرسم ملامح المرحلة الجديدة، وعرضت عليه خطة، لكن سرعان ما شعرت بأن سعيّد ليس كغيره من الرؤساء السابقين الذين كانوا حريصين على كسب ود النقابيين وتقديم التنازلات لهم، فهو لا يريد شركاء، وعازم على الانفراد بالقرار والقيادة.

وانتقد النقابيون المرسوم 117 الذي مكّن سعيد من صلاحيات مطلقة. ورفض الاتحاد الفصل بين دوره الاجتماعي ودوره السياسي، واستمر في الضغط على الحكومة لحماية مصالح منظوريه، بما في ذلك استعمال وسيلة الإضراب.

إضراب عام

وعاشت تونس أمس الخميس إضراباً في القطاع العام دعا إليه الاتحاد العام التونسي للشغل، وأحدث شللاً في أغلب المؤسسات والمنشآت العمومية. وأكد الأمين العام للاتحاد نور الدين الطبوبي، في كلمة له أمس، نجاح الإضراب بنسبة مشاركة فاقت الـ96 في المائة.

ولم يكن الإضراب بدافع حماية العمال وقدرتهم الشرائية فقط، ولا متعلقا فقط بالمفاوضات مع صندوق النقد الدولي التي يرفض الاتحاد المصادقة عليها، بسبب إجحافها وتداعياتها السلبية المتوقعة على التونسيين، وإنما كان أيضاً بسبب خلاف مع الحكومة حول الحق النقابي الذي يمثل أحد أسس الديمقراطية، حيث منعت الحكومة من خلال ما يُعرف بالمنشور رقم 20، التفاوض مع أي ممثل نقابي في الوزارات والشركات من دون الرجوع إلى رئاسة الحكومة، وهو ما اعتبره الاتحاد ضربة مباشرة للعمل النقابي وتحجيماً مقصوداً لدوره.

تحركات احتجاجية متعددة

وفي سياق متصل، ينظّم القضاة، غدا السبت، جلسة جديدة لتقييم إضرابهم المتواصل منذ الإثنين ما قبل الماضي، وبحث الخطوات المقبلة أمام صمت الحكومة وعدم تراجع سعيّد عن استهدافهم.

كما أعلنت جبهة الخلاص الوطني عن تنظيم مسيرة احتجاجية جديدة وسط العاصمة، بعد غد الأحد، "انتصاراً لقيم الحرية ودفاعاً عن المكتسبات الديمقراطية للشعب التونسي ودولته الوطنية من مخاطر التفكيك العبثي الذي تمارسه سلطة انقلاب 25 جويلية".

وأوضحت الجبهة في بيان لها، الأربعاء الماضي، أن هذه المسيرة "تأتي رفضاً لمسرحية الحوار الذي تنظّمه السلطة وللاستفتاء المخادع الذي تنوي توظيفه لفرض إرادة الفرد على الإرادة الوطنية". وستكون المسيرة كذلك "نُصرة للقضاء المستقلّ ودعماً لاستقلاليّة المنظمات الوطنية ودفاعاً عن الحريات المُستباحة ورفضا للمحاكمات العسكرية للمدنيين ولاسيما منهم الصحافيّون والمحامون وأعضاء مجلس نواب الشعب"، وفق بيان جبهة الخلاص.

تواصل جلسات الحوار

وفي الأثناء، تتواصل جلسات الحوار الذي تغيب عنه الأحزاب والمنظمات المهمة وعمداء كليات القانون، في وقت يُفاجَأ فيه التونسيون بمنسق هيئة الجمهورية الجديدة، الصادق بلعيد، يطل عليهم في كل مرة بمقترحات غريبة قد يتضمّنها الدستور الجديد.

ومن هذه المقترحات، هيئة حُكمية بدل الحكومة، ورئيس فوق كل الهيئات الدستورية والحزبية، ودستور اقتصادي في أغلب فصوله، واستبعاد الهيئات الدستورية من الدستور، بالإضافة إلى قضية الهوية وحذف الإسلام كمرجعية للدولة كما في الفصل الأول من الدستور السابق.

السيطرة على القضاء

وبعد أن استولى على السلطة التنفيذية والتشريعية، يحاول سعيّد الاستلاء على السلطة القضائية، والأخطر هو ما كشفته أزمة القضاة التونسيين، الذين خرجوا عن صمتهم وكشفوا خلفيات العزل الذي طاول أغلب القضاة من قائمة الـ57، إذ تبيّن أن السلطة تريد السيطرة على مفاصل القضاء لتصفية حسابات مع خصوم سياسيين، وهذا ما يُدخل البلاد في منعرج خطير للغاية.

تكميم الأفواه

وكشفت تصريحات أعضاء من هيئة الانتخابات، يوم الأربعاء، بخصوص منع المقاطعين للاستفتاء من أي حق في النشاط، نوايا تكميم الأفواه، واعتبار كل معارض للاستفتاء خارج دائرة الحق السياسي في التعبير عن موقفه، وهو منعرج خطير تدخله تونس قد يعصف بكل الحقوق التي منحتها الثورة للتونسيين.

inbound7736091773479555913.jpg

من الممكن أن يعجبك أيضاً