post

حوادث العمل في تونس.. ما الذي يتوجّب فعله للحدّ من هذه الظاهرة؟

تونس الثلاثاء 04 جانفي 2022

بسبب تمادي أرباب العمل في عدم توفير متطلبات الأمن والسلامة المهنية، زادت الحوادث القاتلة في المناطق الصناعية في تونس.

ويشهد نحو 60% من ملفات تعويض المتضررين من حوادث العمل، تأخيراً في تصفيتها فاق السنة، ووصل أحياناً إلى 4 سنوات، وعدم إجراء مراجعة نسب العجز لفائدة 811 متضرراً، رغم حلول أجلها منذ ما يزيد على 10 سنوات في ثلث الحالات، ما أفقد التعويض جدواه، وخاصّة في حالات العجز المهني التام للمتضررين، وحالات وفاة عدد منهم دون الحصول على التعويضات المخولة لهم قانوناً.

وكذلك فإن 181 ضحية لحادث شغل قاتل لم يُمكَّن خلفهم من أرامل وأيتام من الجرايات المستحقة لمدّة طويلة وصلت إلى 8 سنوات في 16 حالة بسبب عدم نجاعة إجراءات العمل المعتمدة وغياب تبادل آلي للمعطيات مع الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، بحسب تقرير "حوادث الشغل والأمراض المهنية" الصادر في 12 فيفري 2021، عن محكمة الحسابات التي تختص في جانبها القضائي بالنظر في حسابات المحاسبين العموميين وزجر أخطاء التصرف المرتكبة من قبل أعوان الدولة والمؤسسات والمنشآت العمومية.

وكشف نائب مدير الصندوق الوطني للتأمين عن المرض كريم بن صالح، عن وقوع 36215 حادث شغل في عام 2017، منها 152 حادثاً قاتلاً، ووقع 35800 حادث شغل، منها 109 حوادث قاتلة في عام 2018، وفي عام 2019 وقع 34699 حادث شغل في قطاع البناء والأشغال العامة وقطاع الخدمات المختلفة وتجارة الجملة والتفصيل والصناعات التقليدية ومجال النقل والرفع، منها 127 حادثاً قاتلاً، وسجل عام 2020 خمسة آلاف حادث شغل، منها 85 حادثاً قاتلاً.

ويعود سبب التراجع في حوادث الشغل في 2020، مقارنة بالأعوام الماضية، حسب بن صالح، إلى الظرف الصحي الناتج عن جائحة كورونا، إذ أغلِق بعض المصانع.

وترتفع درجات المخاطر المهنية لعدد من المؤسسات التونسية، إذ سجلت 496 مؤسسة حوادث متكررة بمكان العمل بوتيرة ناهزت معدل 4 حوادث شهرياً، خلال الفترة من 2015 حتى 2019، بحسب تقرير محكمة المحاسبات.

ويبلغ عدد المؤسسات الصناعية في تونس 5700 مصنع، أغلبها في قطاعات النسيج والملابس والصناعات التحويلية والغذائية والميكانيكية والكهربائية، لكن هذا التطور لم يواكبه اهتمام بإجراءات الأمن الصناعي والسلامة، حسبما أكد الخبير في السلامة الصناعية حسان حاج قاسم، الذي عمل سابقاً مستشاراً في قسم حوادث الشغل بالصندوق الوطني للتأمين على المرض.

وأوضح حاج قاسم في تصريح صحفي، أن أسباب الحوادث المتكررة في المصانع، تعود إلى نقص التكوين والإشراف في مجال السلامة، وعدم انتداب مختصين مكلفين بالسلامة في المصانع يتابعون الأشغال، وعدم إصلاح الأعطاب التي تطاول التجهيزات التي تبقى دون صيانة.

وهو ما يؤكده تقرير محكمة المحاسبات الذي رصد أنه على الرغم من استكمال اللجان الفنية المختصة لأعمالها منذ سنة 2016، لكن لم تُصدَر عدة مشاريع قوانين استهدفت تدعيم الجانب الردعي وتدابير الوقاية من المخاطر المهنية وملاءمة التشريع الوطني للمعايير والمواصفات الدولية.

وأظهرت زيارات ميدانية للجنة شكلتها وزارة الصناعة والطاقة والمناجم، للوقوف على مدى التزام المصانع إجراءات السلامة، وجود اختلالات وعدم احترام شروط السلامة في 47 مصنعاً من خمسين مصنعاً جرت زيارتها في ولاية قابس، وفق تأكيد المدير الجهوي للوكالة العقارية الصناعية التابعة لوزارة الصناعة في قابس أحمد صالح بوعنيزة.

ويتهاون أصحاب المصانع في إصلاح الأعطاب، وفق بوعنيزة، الذي قال إنه "حتى تجهيزات إطفاء الحرائق الموجودة في بعض المصانع لا تعمل عند تشغيلها، فضلاً عن عدم تجديد الشبكات وصيانتها".

ولكن المشكلة الأكبر تتمثل في عدم تفعيل إدارة طب الشغل التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية والمختصة في الوقاية من حوادث الشغل والأمراض المهنيّة، في عدة أحيان للإجراءات الردعيّة المستوجبة في شأن المؤسسات ذات المخاطر المهنية العالية رغم مخالفتها لتراتيب السلامة المهنية، وتحديداً في شأن 11% من عيّنة المؤسسات الأعلى تسجيلاً لحوادث الشغل القاتلة والأكثر تصريحاً بالأمراض المهنية خلال الفترة بين أعوام 2015 و2019.

وسجلت المؤسسات المذكورة مجتمعة 79 حادث شغل قاتلاً و1337 تصريحاً بمرض مهني نجم عنها صرف تعويضات ناهزت 11 مليون دينار، بحسب محكمة المحاسبات.

وتبيّن غياب نصوص ترتيبية تضبط سبل الوقاية من مخاطر المواد والمنتجات الكيميائية بالرغم من تعرض حوالى 36% من العمال للمواد الكيميائية، منهم حوالى 20% تعرضوا لمادة كيميائية مسرطنة على الأقل وفقاً لخريطة الأخطار المهنية في تونس المنجزة خلال الفترة بين عام 2016 وعام 2018.

ولم تساهم هذه الوضعية في حماية العمال، إذ شهدت هذه الأنشطة تطوراً في مؤشر تواتر حوادث الشغل بلغ 29.1 حادثاً لكل 1000 عامل، متجاوزاً بذلك المؤشر العام لجميع القطاعات بحوالي 155% خلال سنة 2018.

وكذلك سجلت الأمراض المهنية في قطاع الصناعات الكيميائية ارتفاعاً خلال السنة نفسها بنسبة 24% مقارنة بسنة 2017، بحسب محكمة المحاسبات.

السلام-المهن.jpeg

من الممكن أن يعجبك أيضاً