post

علاقة تونس مع الشقيقة ليبيا.. هل هي سحابة صيف عابرة أم بوادر أزمة عميقة؟

تونس الثلاثاء 14 سبتمبر 2021

مرآة تونس – جليلة فرج

منع السلطات التونسية دخول المواطنين الليبيين لأراضيها، استعداد مائة إرهابي في قاعد الوطية غرب ليبيا للهجوم على تونس، محاولة اغتيال الرئيس التونسي، شائعات لا أساس لها من الصحة زادت في تعكير العلاقات الثنائية بين البلدين لا غير. في المقابل، حالات إنسانية ليبية من أطفال ونساء ومرضى تستدعي دخولها لتونس، تذمّر كبير من قبل العائلات التونسية في المناطق الحدودية، تأثير سلبي على المصحات الخاصة في تونس.. حقائق واضحة لا غبار عليها، وبالتالي من الضروري التسريع بفتح الحدود التونسية الليبية واستئناف العلاقات الإنسانية والاقتصادية مع ليبيا.

ومع تواصل غلق الحدود البرية بين تونس وليبيا منذ 8 من جويلية الماضي، رغم إعلان الحكومة الليبية في 17 أوت الماضي، إعادة فتح المنافذ البرية وحركة الملاحة الجوية مع تونس، وتواصل تبادل الاتهامات بين الشقيقتين تونس وليبيا عن المصدر الرئيسي المصدر للإرهاب، استغلت بعض الأطراف هذه الوضعية المتشنّجة وحاولت تسميم العلاقة بين ليبيا وتونس التي تربط بينهما علاقات تاريخية وأواصر قرابة.

فمن المستفيد من اشتعال فتيل الخلافات بين الشقيقتين تونس وليبيا؟ وهل تقف أجندات إقليمية وراء توتير العلاقة بينهما؟ ولماذا هذا البرود من قبل سعيّد تجاه الجارة ليبيا؟

 

علاقة تاريخية وطيدة

لا فرق بين تونسي أو ليبي، لا حدود بين تونس وليبيا، ألقاب مشتركة، علاقات مصاهرة، تاريخ مشترك، حاضر مشترك ومستقبل مشترك، هكذا كانت وهكذا ستظل العلاقة بين الشقيقتين تونس وليبيا.

فمن يدقّق في مختلف الحقب والمراحل التاريخية، يلاحظ وجود تأثير متبادل وانعكاسات لأحداث أيّ من البلدين على البلد الآخر، وخاصة عند الأزمات سواء أكانت طبيعية كالجفاف مثلا أو اجتماعية كالصراع بين القبائل أو اقتصادية أو سياسية، وذلك بحكم المقومات المشتركة للشعبين الثقافية والدينية والتاريخية والعرقية إضافة للجوار الجغرافي.

ولا يمكن أن ننسى هجرة المجاهدين التونسيين إلى ليبيا بعد احتلال البلاد التونسية من قِبل القوات الفرنسية في 1881 بهدف إعادة تنظيم قواهم، ودعم التونسيين للمجهود الحربي لليبيين، واحتضانهم للمهاجرين واللاجئين الليبيين والذي بلغ عددهم نحو 17 ألفا، بعد الاحتلال الإيطالي لليبيا، وتفاعُل التونسيين مع احتلال ليبيا والتعبير عن معاداتهم للوجود الإيطالي بتونس في انتفاضة الزلاج 1911، ثم تحوّل طرابلس منذ بداية خمسينيات القرن الماضي وبعد حصول ليبيا على استقلالها في 1951، إلى قاعدة آمنة لرجال الحركة الوطنية التونسية الذين التجئوا إليها هربا من ملاحقة الأجهزة الأمنية الاستعمارية الفرنسية، ولتدريب المقاومين، ولانطلاق الكثير من عمليات المقاومة ضد الاحتلال. كما ساندت الحكومة الوطنية الليبية الفتية استقلال تونس في المنابر الدولية.

ولكن هذه العلاقة الوطيدة بين البلدين خضعت لنوع من الابتزاز السياسي من قبل القذافي، ما أدى إلى اضطراب في العلاقات بين البلدين. ومنذ أكثر من عقدين عادت العلاقات الأخوية إلى طبيعتها باعتبار أن ليبيا تُمثل امتدادا تاريخيا واقتصاديا وحضاريا لتونس وكذلك العكس، وكانت الأسواق الليبية ملاذا للتجار ولآلاف العمال، فيما كانت تونس مقصدا مهما للسياحة والترفيه وملجأ لعلاج آلاف الليبيين.

ولا ننسى الارتباط العضوي بين ليبيا وتونس من خلال جملة من العلاقات المتشابكة مثل القرابة والمصاهرة وغيرها من الروابط الاجتماعية المتينة، وتبين ذلك بشكل جلّي خلال ثورة 17 من فيفري، حين فتح التونسيون أبواب منازلهم لاستقبال الليبيين.

ولكن منذ تولّي الرئيس قيس سعيّد الحكم في تونس بدأت العلاقة مع الجارة ليبيا تسوء شيئا فشيئا، حتى بلغت ذروتها بعد 25 من جويلية الماضي، حيث شهدت توترات عديدة رغم نفي الجانبين ذلك، وهذه التوترات من شأنها أن تؤثر سلبا على مستقبل العلاقات بين البلدين الجارين. ونتيجة لهذه الديبلوماسية التونسية المريضة، فوّت سعيّد ومن والاه داخليا وخارجيا الفرصة على إمكانية التكامل بين البلدين، ووجدنا أنفسنا في ابتزاز قذافي جديد لكن هذه المرة تونسي المنشأ.

 

إعادة إعمار ليبيا

من المهمّ جدا أن نعي أن منقذنا من أزمتنا الاقتصادية والاجتماعية وسندنا في الشدّة والرخاء هي الجارة ليبيا بدرجة أولى لما لها من موارد طبيعية والمتمثلة في البترول بكميات كبيرة وبجودة عالية.

فعندما تحرّرت ليبيا من الانقلابي حفتر وأنصاره وعملائه، استبشر التونسيون، وبدأت المشاريع المستقبلية تتبلور وبدأ التفكير في إعادة إعمار ليبيا وتهيئتها، وأقيمت ملتقيات اقتصادية بين تونسيين وليبيين، وتمت لقاءات في جربة وصفاقس وتونس وطرابلس، بين مقاولين ورجال أعمال تونسيين وليبيين من أجل إعادة صيانة الطرقات والجسور، وتم الحديث عن انتداب قرابة 20 ألف أستاذ ومعلم تونسي إلى ليبيا.. ولكن وعقابا لديبلوماسيتنا الضعيفة، أبرمت ليبيا اتفاقيات عديدة مع عدة دول على غرار مصر وتركيا ومالطا، خاصة أن هذه البلدان تسعى للحصول على أكبر عدد من الاتفاقيات لإعادة إعمار ليبيا التي دمرتها الحرب، وشمل الاستثناء فقط تونس الجارة الغربية لليبيا.

ورغم تكرار الزيارات بين مسؤولي البلدين، لم يتم إبرام أي اتفاقية بين الطرفين، وككل مرّة يكتفي المسؤولون بإصدار بيانات تتحدث عن تاريخ العلاقات بين البلدين والروابط المشتركة بينهما دون الحديث عن حاضر العلاقات ومستقبلها.

وفي زيارته الأخيرة لتونس عرض رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة على الرئيس قيس سعيد ثمانية اتفاقيات تهمّ الآلاف من اليد العاملة التونسية، وكان الدبيبة يشرح المنافع المتبادلة بين البلدين والشعبين وكان قيس يردد في كل مرة قائلا: صبرا جميلا.. صبرا جميلا. غضب الدبيبة وسافر نحو مالطا عرض عليهم ذات الاتفاقيات، هذا ما تمّ تداوله بعد انتهاء اللقاء مباشرة. وبالتالي لم تثمر زيارة الدبيبة الأخيرة لتونس عن شيء، وخابت آمال التونسيين الذين ينتظرون انفراج الأزمة.

وإن صحّت هذه المعلومات، فيكون سعيّد أضاع فرصا ترجع بالفائدة على الشعب التونسي، وتكون تونس خسرت المشاريع وذهبت إلى مالطا كما ذهبت الصفقات الكبرى إلى سيسي مصر الذي حرض صحبة حلفائه على الانقلاب وإعلان الحرب الكلامية على ليبيا وإفساد العلاقة الأخوية بين البلدين.

فلا ننسى أن تدمير العلاقة بين الشقيقتين يعني تدمير البلاد وإفقار الشعب التونسي وتخريب الاقتصاد وتجويع العائلات التونسية المتواجدة على الحدود الليبية. ولا ندري هل كل ما يفعله سعيّد عن وعي أو أنه في حالة لا وعي. ولا ننسى أن ليبيا كانت الشريك الاقتصادي الأول لتونس عربيا وإفريقيا والشريك الخامس لتونس عالميا، ولكن اليوم هناك تراجع حادا في التبادل الاقتصادي بين البلدين.

 

فزاعة الإرهاب

بعد اتهامهم بالإرهاب وفزاعة الـ100 إرهابي، ومع تواصل غلق تونس للحدود من جانب واحد بتعلة الأسباب الصحية، وبعد اتسام علاقة سعيد مع ليبيا بالبرود وعدم استثمار إعادة الإعمار في ليبيا سياسيا وديبلوماسيا واقتصاديا، أصبحت تصريحات المسؤولين الليبيين أكثر حدّة وفتحت معها باب التأويلات، خاصة بعد أن فشل الجانب الليبي في كل مرة في رأب الصدع بين البلدين، الأمر الذي فسّره بعض المختصين بوجود نيةً مبيّتة في قصر قرطاج للإبقاء على توتر العلاقات بين البلدين، رغم تأكيد القصر أن "التاريخ والجغرافيا وروابط الدم والمصالح المشتركة بين الشعبين، لا يمكن أن تفرقها تصريحات غير مسؤولة أو تعاليق مغرضة أو محاولات يائسة من أطراف أصبحت مكشوفة للجميع".

وهذه الأزمة استثمر فيها الإعلام أيضا، فقد عمل طيلة المدة الماضية على نشر تقارير وأخبار فايسبوكية مزيّفة تسيئ للعلاقات بين البلدين دون التثبت من صحتها. وعملت بعض الدول الأجنبية منها العربية والغربية على الاستثمار في الأزمة بين ليبيا وتونس وسعت لتأزيم العلاقات التونسية الليبية خدمة لأهدافها المشبوهة في المنطقة. والمستفيد الأول من هذه الأزمة هي مصر، التي تسعى إلى فرض حصار على الحكومة الليبية من جهة الغرب، حتى يتسنى لها الفوز باتفاقيات إعادة الإعمار هناك، وقد بلغت غايتها وتحققت مبتغاها.

وفي حال استمرت هذه الأزمة ستخسر تونس، خاصة منطقة الجنوب، فرص عمل كثيرة في ليبيا ما سيؤثر على الاقتصاد التونسي وعلى السلم الاجتماعي في الجنوب، فدائما ما تؤثر الاضطرابات التي تعرفها ليبيا على تونس، فما بالك إن قُطعت العلاقات بينهما. وبالتالي ستتكبد كل من ليبيا وتونس خسائر لا تحصى ولا تعد نتيجة تأزم الوضع الحاليّ وعدم وجود نية للتراجع وتحسين العلاقات. ونتمنى أن تكون هذه الخلافات بين الشقيقتين تونس وليبيا مجرد سحابة صيف وأن لا تكون بوادر أزمة عميقة.

 

 

 

 

galleries/لبا-و-تونس.png

من الممكن أن يعجبك أيضاً