post

كيف تعاملت السلطات مع أزمة فقدان المواد الأساسية في الأسواق؟

اقتصاد وأعمال الثلاثاء 05 أفريل 2022

تعاني تونس من نقص كبير في المواد الغذائية الأساسية على غرار الخبز والدقيق والأرز والزيت النباتي والسكر، حيث بات الحصول على هذه المواد أمرا صعبا، ما دفع المحلات التجارية الكبرى إلى تحديد كميات للمشترين، وهو ما طرح مدى قدرة الحكومة على إيجاد الحلول المناسبة لتجاوز الأزمة.

وتتراكم أزمة نقص بعض المواد الغذائية منذ أشهر، وتبدو أنها أزمة متداخلة الأسباب، منها ما يتعلق بالاحتكار من قبل بعض المزودين، ومنها ما يخص النقص في الإنتاج بسبب الإضرابات..

ومع حلول شهر رمضان يشتكي المواطن التونسي من غلاء أسعار بعض المواد الأساسية وفقدان بعضها الآخر، ومنها مادة الدقيق والخبز الذي يقبل التونسيون على استهلاكه بكثرة، ولديه قيمة رمزية على مائدة العائلات التونسية، حتى أن مشهد الطوابير الممتدة أمام المخابز أصبح مألوفا منذ أيام ويثير تذمر المواطنين.

ورغم أن الرئيس قيس سعيّد أعلن منذ أسابيع حربا على محتكري المواد الغذائية والأساسية إثر تواصل فقدانها في الأسواق المحلية، وقال إنها "حرب دون هوادة ضد المحتكرين المجرمين في إطار القانون"، وحدد في كلمة له "ساعة الصفر" لهذه الحرب، إلا أن محلات المواد الغذائية سجّلت نقصا كبيرا في مواد السميد والزيت النباتي.. كما تعمد بعض التجار مخالفة التسعيرة الحكومية والرفع العشوائي في الأسعار، وهو ما يؤثر على الفئات الفقيرة بدرجة أولى.

ورغم الانتقادات الموجهة إلى وزارة التجارة واتهامها بالعجز عن تزويد السوق بالسلع وتوفير مستلزمات المواطنين، إلا أن مسؤولي الوزارة يؤكّدون من مناسبة إلى أخرى توفّر المواد.

ويرى خبراء الاقتصاد أن تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية ترمي بظلالها على مستوى الأمن الغذائي في تونس، نظرا إلى تراجع نسبة توريد مادة القمح التي تنتجها كل من روسيا وأوكرانيا، واعتبر هؤلاء أنه يمكن تجاوز هذه الأزمة عبر حلّ سياسي ودبلوماسي بتوفير ضمانات أوروبية وأميركية لتونس التي تعيش على وقع الديون الخارجية.

وتستورد تونس أكثر من 60 في المئة من استهلاكها من القمح من كل من روسيا وأوكرانيا، علماً أن تونس تعاني بدورها من إشكالات التزود منذ الخريف الماضي بسبب التأخر في توفير السيولة اللازمة لتسديد مستحقات دفعات من وارداتها من القمح بالعملة الصعبة، ما أدى إلى رسوّ عدد من البواخر المحملة بالقمح بالموانئ التونسية من دون تفريغ شحناتها في أكثر من مناسبة.

وتسجل تونس منذ العام الماضي منحى تصاعديا لأسعار العديد من المواد، ما رفع نسبة التضخم عند الاستهلاك إلى مستوى 6.6 في المئة في ديسمبر 2021. وعزا المعهد الوطني للإحصاء هذا التطور في نسبة التضخم إلى تسارع نسق ارتفاع أسعار مجموعة المواد الغذائية (من 6.9 في المئة إلى 7.6 في المئة). وارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 7.6 في المئة بسبب ارتفاع أسعار الدواجن بنسبة 23.3 في المئة، وأسعار زيت الزيتون بنسبة 21.8 في المئة، وأسعار البيض بنسبة 15.5 في المئة. وزادت أسعار الغلال الطازجة بنسبة 16.7 في المئة، وأسعار الخضر الطازجة بنسبة 10.8 في المئة، وأسعار الأسماك الطازجة بنسبة 9 في المئة.

تواصل الأزمة

من جهتها، طالبت نقابة الخبازين الحكومة بتوفير مادتي الدقيق والسميد لضمان توفير الخبز للمواطنين، كما طالبت في الوقت ذاته وزارة التجارة باحترام التزاماتها، في ظل نقص المادتين في الأسواق التونسية منذ ما يزيد على الأربعة أشهر.

وأعرب المجمع المهني للمخابز العصرية، في بيان، عن "قلقه إزاء تواصل مشكلة النقص الكبير في التزود بمادتي الفرينة والسميد منذ أكثر من أربعة أشهر في كامل الجهات، وخاصة في تونس الكبرى، القيروان والمنستير".

وقال رئيس المجمع المهني للمخابز العصرية، محمد الجمالي، إن أزمة الخبز مازالت متواصلة، في ظل عدم تزويدهم بمادتي "الفارينة" و "السميد". وأضاف في تصريح إذاعي، أن هناك نقصا فادحا في التزوّد، الأمر الذي أثّر على سير العمل وجعل العديد من المخابز تُغلق أبوابها في عدد من الجهات. وأوضح أن الكمية التي يتحصلون عليها محدودة وغير كافية، ودعا الوزارة إلى التدخل وتقديم توضيحات في الغرض لمعرفة حقيقة الوضع.

وفي المقابل، أكد رئيس الغرفة الوطنية لأصحاب المخابز، محمد بو عنان، أنه تم تجاوز الإشكال المتعلّق بالتزوّد بمادة "الفارينة". وأفاد بأنه تم تزويدهم بالكميات الكافية من هذه المادة وبأن المخابز تعمل بطريقة عادية.

وفي وقت سابق، قالت وزارة التجارة التونسية إن لديها مخزونا كافيا من المواد الأساسية لشهر رمضان، وأضافت أن عمليات التزويد تسير بشكل طبيعي. وأشار مدير المنافسة والتوزيع في الوزارة حسام الدين التواتي في تصريحات إعلامية إلى أن هناك "أزمة مفتعلة" هدفها الإرباك الاجتماعي.

وتحدّث أمين مال المجمع المهني لتعليب الزيت النباتي جمال العرف، عن ازمة الزيت النباتي "زيت الحاكم" في تونس. وأكد أنه من المبرمج ضخّ 12 ألف طن في ظرف 20 إلى 25 يوما القادمة، إضافة إلى 7 آلاف طن تم ضخها في الفترة الماضية، و9 آلاف طن مبرمجة في الفترة المقبلة، كمية بـ 6 آلاف طن أواخر هذا الشهر. وقال: "أزمة التزويد بالزيت النباتي المدعم في طريقها نحو الإنفراج."

التونسي والخبز

ويرتبط الخبز عند التونسيين بالانتفاضات كان أشهرها "أحداث الخبز"، الانتفاضة الاجتماعية التي عرفتها تونس في جانفي 1984، بعد زيادة سعر الخبز وعدد من السلع الأساسية إبان فترة حكم الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة.

وحتى في ثورة 2011، كان الخبز حاضرا بقوة في الإحتجاجات التي اجتاحت تونس في ذلك الوقت، حيث ردد المحتجون شعار "خبز وماء وبن علي لا"، كما أنهم رفعوا الخبز بأيديهم، كرمز للقمة العيش وللكرامة في آن.

وبحسب بيانات وزارة التجارة، فإن المخابز تنتج يوميا ثمانية ملايين قطعة خبز فيما تضخ الوزارة يوميا في السوق نحو 200 ألف طن من القمح اللين والصلب و1200 طن من السميد.

زيادة الاستهلاك

ويسجل استهلاك الخبز خلال شهر رمضان، بحسب المعهد الوطني للاستهلاك الحكومي، زيادة بنسبة 25 بالمائة بالمقارنة مع الأشهر العادية. ويزيد استهلاك الباقات بنسبة 13 بالمائة خلال شهر الصيام مقارنة ببقية أشهر السنة.

ويبلغ السعر الحقيقي للخبز الكبير من دون دعم 465 مليما للواحد (دعم في حدود 235 مليما)، ويباع للعموم بسعر 230 مليما فيما تباع الباقات للعموم بـ190 مليماً، بدعم في حدود 84 مليماً، أي أنّ سعرها الحقيقي يعادل 274 مليماً.

وتستورد تونس 80 بالمائة من حاجياتها من القمح اللين، وهو ما يجعل كل 4 أرغفة خبز مستوردة مقابل رغيف واحد مصنوع من الدقيق المحلي، بينما واردات البلاد من القمح وحدها أكثر من 51 بالمائة من الواردات الغذائية.

ويخضع الخبز في تونس للتسعير الحكومي بالنسبة للمخابز التي تتمتع بالدقيق المدعم، فيما تبيع الأفران التي تعتمد على الشراء المباشر للدقيق من المطاحن على الأسعار المحررة، غير أنها أطلقت العنان للزيادات في أثمان الأصناف الأساسية، ما تسبب في فوضى أسعار تزيد من صعوبات العيش لعموم المواطنين.

زيادة الأسعار

ومنذ دخول شهر رمضان، تفاجأ التونسيون بارتفاع حاد للأسعار رغم تطمينات المسؤولين بخفض الأسعار، حيث تجاوز سعر الكيلوغرام الواحد من الفلفل حاجز الـ5 دنانير، والطماطم بـ2 دينار، والبطاطا بـ1.6 دينار ولحم الخروف بـ29.8 دينار، والتفاح بـ7 دينار..

وفي المقابل، قال رئيس الغرفة الوطنية لباعة لحوم الدواجن إبراهيم نفزاوي: "انخفض سعر الدجاج من 8 دنانير السنة الماضية إلى 7.1 دينار حاليا، أما الإسكالوب فتراجع سعره من 15 دينارا إلى 14 دينارا. وتابع: "نحن كاتحاد صناعة وتجارة لا دخل لنا في تدني القدرة الشرائية للمواطنين".

من جهته، أكد رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك عمار ضية أنه لاحظ حركية في الأسواق خلال اليوم الأول من رمضان وأشار إلى أن كل المنتوجات (خضر وغلال) متوفرة . وأضاف رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك في تصريح إذاعي، أنه تم رصد بعض التجاوزات خلال اليوم الأول من شهر رمضان تتمثل أساسا في الترفيع في أسعار بعض المواد والمنتوجات، حسب قوله. وأوضح أنه ستتم متابعة هذه التجاوزات من قبل أجهزة الرقابة، وبيّن أنه تم تسجيل نقص في مادة الأرز ومادتي الفارينة والسميد في بعض الولايات .

ويواجه الاقتصاد التونسي أزمة هي الأسوأ منذ استقلال البلاد في خمسينيات القرن الماضي، وسط مطالبات للسلطات بالقيام بإصلاحات اقتصادية، فيما تحاول تونس الحصول على قرض من قبل صندوق النقد الدولي من أجل تمويل خزينة الدولة.

galleries/86706.jpg

من الممكن أن يعجبك أيضاً