post

لماذا اختارت تونس سياسة اللاموقف بشأن الأزمة في ليبيا؟

تونس الجمعة 13 ماي 2022

بحث وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو مع نظيره المغربي ناصر بوريطة الوضع في ليبيا. جاء ذلك على هامش مشاركة أوغلو في الاجتماع الوزاري للتحالف الدولي ضد تنظيم «داعش» في المغرب، الأربعاء.

وأكد أوغلو، في مؤتمر صحفي مشترك مع بوريطة، أن السلام والاستقرار والازدهار في شمال أفريقيا ومنطقة الساحل لا غنى عنها لاستقرار مناطق البحر المتوسط والشرق الأوسط وحتى أوروبا.

وكان الملف الليبي في صلب المحادثات الثنائية التي عقدها بوريطة على مدار الأيام الماضية؛ حيث اتفق مع نظيره الهولندي ووبكي هوكسترا، على أهمية دعم بعثة الأمم المتحدة للدعم لدى ليبيا، وضرورة تنظيم انتخابات حرة ونزيهة.

كما حضرت الأزمة الليبية في اجتماعه مع نظيره المصري سامح شكري، إذ أكدا ضرورة خروج جميع القوات الأجنبية والمرتزقة والمقاتلين الأجانب من ليبيا في مدى زمني محدد تنفيذًا لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة ومخرجات مساري باريس وبرلين.

ويستعد مجلس الأمن الدولي لاختيار بديل لمستشارة الأمين العام للأمم المتحدة ستيفاني ويليامز لقيادة البعثة الدولية في ليبيا، حيث أن التجديد الأخير الذي وافق عليه المجلس في أفريل سيكون الأخير للبعثة الحالية. وقال بيان صادر عن الأمم المتحدة إن البعثة ستشهد تغيرات كبيرة في أول أوت، وهو موعد انتهاء الثلاثة أشهر الأخيرة التي جددتها الأمم المتحدة لستيفاني.

ويعد هذا انتصارا للموقف الروسي والصيني الرافض لاستمرار الدبلوماسية الأميركية، فيما اعتبر محللون ليبيون الأمر مجرد "عراك سياسي" بين معسكرين داخل المجلس على حساب الملفات المصيرية في ليبيا، التي يرون أنه جرى إهمالها.

وأصرت الصين وروسيا على أن يكون المبعوث الجديد من إفريقيا أو الدولة القريبة من ليبيا، وسيراعي المجلس ذلك في الاختيار. وجاء هذا بعد جهود كبيرة بذلتها روسيا لعدم تجديد الثقة في الدبلوماسية الأميركية، التي وصفتها بأنها تعمل لصالح المعسكر الغربي الذي تقوده أميركا وليس لمصلحة ليبيا.

وشهد مجلس الأمن خلافات واسعة بين أعضائه بشأن مهمة البعثة الدولية؛ ولذا جرى تمديدها على ثلاثة مراحل، الأولى في سبتمبر حيث تم تمديدها لأربعة أشهر والثانية في جانفي لثلاثة أشهر والثالثة في أفريل.

وحاليا تجري المبعوثة الدولية مشاورات على الأرض، والتقت بوزيرة الخارجية في حكومة عبد الحميد الدبيبة، وعقدت لقاءات مع أطراف سياسية وأطلعت مجلس الأمن على آخر التطورات ونتائج اجتماعات القاهرة.

ويشهد الملف الليبي في الفترة الأخيرة تطورات متلاحقة، وسط تنافس وخلاف إقليمي ودولي واضح بشأن رسم المشهد السياسي الجديد، وخصوصاً التباين بين تصور مصر من ناحية والجزائر من ناحية أخرى، حول مخرج الأزمة، بين دعم الجزائر لحكومة عبد الحميد الدبيبة ودعم القاهرة لحكومة فتحي باشاغا المكلفة من مجلس النواب.

تونس ترفض الانحياز لأي تحالف ليبي

وتقف تونس إزاء هذه التطورات في موقف المتابع السلبي، الذي يسعى بكل جهد للنأي بنفسه عن هذه الورطة الدبلوماسية الكبيرة، بينما هي معنية بها سياسياً وأمنياً واقتصادياً بالدرجة الأولى، ويجري إقحامها عنوة في هذه التطورات، حتى من دون رغبتها.

وأكد الرئيس قيس سعيّد، الأربعاء، أن "تونس لا تدخل في تحالف مع أي كان لضرب تحالف آخر"، وشدد في لقاء مع وزير الخارجية عثمان الجرندي، على أن "هذه هي مبادئ الدبلوماسية التونسية منذ عقود".

وشهدت الأسابيع الأخيرة تنافساً ليبياً بين حكومتي الدبيبة وباشاغا على إحراز موقف تونسي مساند. وزار باشاغا تونس وأقام فيها لأيام وأجرى لقاءات ومشاورات ليبية ودولية، بينما كان الدبيبة يستعد لزيارة أكبر أُعلن عنها ولكنها لم تتم من دون أي تفسير.

وجرت الأسبوع الماضي مكالمة هاتفية بين سعيّد والدبيبة، تبادلا خلالها التهاني بمناسبة عيد الفطر. وقال بيان مقتضب لرئاسة الجمهورية التونسية، إن المكالمة كانت "مناسبة جدّد من خلالها رئيس الجمهورية تأكيد موقف تونس الثابت من الأوضاع في ليبيا، القائم على التمسك بوحدة هذا البلد وعلى أن الحل لا يمكن أن يكون إلا ليبياً - ليبياً".

وكانت وثيقة ليبية مسربة كشفت عن اعتزام الدبيبة زيارة تونس لمدة أسبوع كامل مع وفد رفيع المستوى بداية من 26 أفريل الماضي. وذكرت الوثيقة أن الدبيبة سيزور تونس في مهمة عمل "باسم الدولة الليبية" ضمن وفد يضم وزراء الداخلية والمالية والتجارة والثروة البحرية ورؤساء الأركان والمخابرات والأمن الداخلي، بالإضافة إلى عدد كبير من المسؤولين الأمنيين والاقتصاديين والمستشارين. ولكن الزيارة ألغيت من دون أي توضيح من الطرفين، وكانت ستلي مباشرة زيارة قام بها الدبيبة إلى الجزائر.

وهذا الموقف التونسي جعل عددا من المختصين يتساءلون: "هل أن تونس في حقيقة الأمر فعلاً على الحياد في هذا الملف؟ أم هي منحازة للخيار الجزائري الداعم للدبيبة، أم خاضعة للضغط المصري الداعم لباشاغا؟".

وذكّروا بأن تونس "لها علاقات تقليدية وتاريخية مع الغرب الليبي، وفي وقت من الأوقات كادت ترتمي في حضن الشرق الليبي على حساب الغرب مع حكومة مهدي جمعة، ولكن الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي صوّب الأمر عندما صعد إلى الحكم، وأدرك أن مصالح تونس في الغرب الليبي، وأعاد التوازن في العلاقات".

تونس تضحي بمصالح كبيرة في ليبيا

واعتبر الناشط الحقوقي المهتم بالشأن الليبي، مصطفى عبد الكبير، في تصريح صحفي، أن ما يحصل في المشهد الليبي هو "عملية إرباك للمشهد الدولي عموماً وليس لتونس وحدها، ونحن اليوم إزاء حكومتين تتنازعان الشرعية". وأضاف أنه "على الرغم من أن بعض الدول تتميز بقوة استخباراتها داخل ليبيا، إلا أن تسارع الأحداث فاجأها، ولكن تونس لم تستقرأ الأحداث جيداً أيضاً".

وأوضح عبد الكبير أن "الإشكاليات الأمنية التي حصلت في ليبيا جعلت فتحي باشاغا، وأمام صعوبة دخوله إلى طرابلس، يسعى إلى أن يلتقي ببعض رؤساء الكتائب والأطراف الفاعلة في غرب ليبيا في العاصمة التونسية، ما جعل الدبيبة يعتبره تدخلاً تونسياً في الشأن الليبي".

وأضاف الناشط الحقوقي أن "الإشكال يتمثل في الضعف الإعلامي للدبلوماسية التونسية، فكان عليها الخروج والتصريح أن الأطراف الليبية ومنذ عام 2011، سواء في الحكومات المتعاقبة أو الحوارات التحضيرية الليبية أو غيرها، كلها يتم استقبالها في تونس، ولكنها لا تساند أي طرف، وما يهمها هو استقرار ليبيا وحصول تسليم سلمي للسلطة، ولكن تأخر ردها أثار بعض الغموض".

ورأى عبد الكبير أن "موقف تونس هو اللاموقف، وتتعامل بنفس دبلوماسية الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي، أي أنها ليست مع أو ضد أي طرف، ولا تريد موقفاً واضحاً وتتفادى رد الفعل". وقال إن بلاده "بين نارين وتتحاشى دعم طرف ليبي على حساب آخر ما قد يجعلها تضحي بمصالح كبرى في شرق ليبيا أو غربها على مستوى اليد العاملة وشركات النفط وغيرها".

inbound5467810487687907783.jpg

من الممكن أن يعجبك أيضاً