post

ليبيا.. هل يتحوّل الصراع السياسي بين الدبيبة وباشاغا إلى مواجهة مسلحة؟

سياسة الأربعاء 24 أوت 2022

يسير الملف الليبي في دوامة من الغموض المحاط باحتمالات ومآلات كثيرة، ويزداد المشهد السياسي والأمني احتداما على وقع صراع مكتوم بين الحكومة المكلفة من مجلس النواب، برئاسة فتحي باشاغا التي تطالب باستلام مهامها، من جهة، وحكومة الوحدة الوطنية، برئاسة عبد الحميد الدبيبة التي ترفض تسليم السلطة إلا لجهة منتخبة، من جهة أخرى.

ويتسابق الطرفان في تحشيد الفصائل المسلحة لصالحهما، في مشهد ينذر باحتمال وقوع مواجهة عسكرية، قد تكون العاصمة طرابلس ساحتها، وسط تدخل محاولات تركية لخفض حدة التوتر، وانزعاج أممي وأميركي.

وبدأ باشاغا في حشد مؤيدين له، منذ تحوله من مدينة سرت، مقر حكومته المؤقت، إلى مصراته، في العشرين من جويلية الماضي، ونجح إلى حد ما في فرض ما يشبه الطوق حول طرابلس، وتنطلق نقطة ارتكازه من مدينة الزاوية، المحاذية لطرابلس غربا، التي ظهرت فيها فئات اجتماعية وسياسية مؤيدة لها.

وفي الجبل الغربي، توجد أكبر القوى العسكرية، بقيادة آمر المنطقة العسكرية الغربية اللواء أسامة الجويلي، الموالي لباشاغا، والذي يمتلك تمركزات عسكرية مهمة جنوب العاصمة. وأكمل باشاغا طوق العاصمة باستمالة الكتيبة 55، أكبر قوة في منطقة ورشفانة، جنوب غرب طرابلس، والتي يقودها معمر الضاوي المقرب من جويلي.

قوة الدبيبة

ورغم هذا الطوق والتضييق، إلا أنه لم يحدث صدام كبير بين الطرفين، إذ لا تزال القوة العسكرية الأكبر داخل طرابلس موالية للدبيبة التي نظمت بالتزامن مع استعراض قوات باشاغا في مصراته، بداية أوت الجاري، استعراضا عسكريا في ميدان الشهداء، واتخذت هي الأخرى مسمى جامعا لها وهو "قوة دعم الدستور".

ولا تتوقف قوة الدبيبة عسكريا فقط، بل أيضا بسبب سيطرته على المؤسسات السيادية في العاصمة، وفي مقدمتها مصرف ليبيا المركزي ومؤسسة النفط التي قام بتغيير مجلس إدارتها، بالإضافة إلى ديوان المحاسبة وهيئة الرقابة الإدارية ومكافحة الفساد.

وكشفت مصادر ليبية مقربة من الحكومتين، في تصريحات صحفية، عن تلقي الطرفين اتصالات كثيفة من أنقرة خلال المدة الأخيرة لنزع فتيل التوتر بين الحكومتين، لا سيما مع حكومة باشاغا، التي أكدت ذات المصادر أنها رفعت جاهزية قواتها في معسكراتها بمدينة مصراته وأهابت بالقوات الموالية لها في أطراف طرابلس الغربية والجنوبية الغربية بقيادة اللواء أسامة الجويلي برفع جاهزيتها أيضا.

وفي المقابل، كشفت نفس المصادر أن الدبيبة شكّل بدوره قوة عسكرية تحت مسمى "لواء ليبيا" تضم أنصاره من المجاميع المسلحة في طرابلس، وكلفها بتأمين المقرات الحكومية، خصوصا مقر رئاسة الوزراء وسط طرابلس، تحسبا لأي هجوم مسلح.

زيارة وفد تركي لمصراتة

وأفادت المصادر أيضاً بأن وفداً تركياً على رأسه نائب جهاز المخابرات، جمال الدين تشاليك، زار مصراتة أول أمس الإثنين، والتقى عددا من قيادات المدينة وأعضاء المجلس البلدي، وطالبهم بالتدخل والتوسط لحل الصراع بين باشاغا والدبيبة باعتبارهما من نفس المدينة.

وذكرت المصادر أن تشاليك، "نقل لقادة مصراتة فحوى رسالة وصلت للدبيبة من الرئاسة التركية، تبلغه فيها رفضها استخدام القوة بغية التمترس في السلطة"، مشجعة إياه على الحوار مع باشاغا، والخروج بحل توافقي.

بيان باشاغا

وبالرغم من هذه الوساطة، إلا أن حدة التوتر بين الجانبين يبدو أنها في تزايد، فقد أصدر باشاغا، أمس الثلاثاء، بيانا مفاجئا دونما دواع أو أسباب، قال فيه: "إلى رجال ليبيا الشرفاء، أنتم عماد الوطن ومستقبله، فلا تكونوا جنودا للظالمين، فحكومة الوحدة الوطنية انتهت صلاحيتها ومدتها، وليس لها أي شرعية".

وفي بيانه، نبه باشاغا الجميع بلا استثناء إلى أنه "لا ظلم ولا قتال مع من اتبع الشرعية واختار الوطن دون سواه". وأضاف: "نمد أيدينا بالسلام، ونسعى لحقن الدماء. لا للفتنة، لا لقتال الأخوة، لا للظلم والعدوان. من يحمل السلاح على الحكومة الليبية سيلاحقه القانون، ويحاكم على هذه الجريمة. العفو والصفح والمصالحة لكل من انضم تحت لواء الشرعية ويعمل تحت سلطة الدولة التي تمثلها الحكومة".

وهذا ليس التلويح الأول لباشاغا باستخدام القوة، فرغم تأكيده سابقا رغبته في دخول طرابلس سلما، فقد تعهد، أثناء لقائه بعدد من حكماء وأعيان المنطقة الغربية الجمعة الماضية، "بدخول طرابلس وإنهاء سيطرة الدبيبة"، وهدد: "من سيواجه قواتنا سيجد نفسه في موقف صعب، وسيموت ميتة المجرم، وسيخلف العار لأهله".

وأضاف متوعداً: "نحن حكومة شرعية ولن نفرط فيها، أجّلنا دخول العاصمة للحفاظ على عدم إراقة الدماء، لكن في الأخير لا بد من عمل موازنة واتخاذ قرار"، وشبّه وضع البلاد بــ"السفينة التي قد يضطر قائدها إلى إلقاء حمولتها الزائدة حفاظاً على سلامة الركاب".

قلق أمريكي وأممي

وعكست بيانات صادرة عن وزارة الخارجية الأميركية والبعثة الأممية استشعارهما لخطر التوتر القائم في البلاد، حيث أشارت البعثة الأممية لمتابعتها ببالغ القلق "ما يجري من تحشيد للقوات وتهديدات باللجوء إلى القوة لتسوية مزاعم الشرعية في ليبيا".

وأكدت البعثة، في بيان لها أمس الثلاثاء، أن "الانسداد السياسي الحالي وجميع أوجه الأزمة التي تحيق بليبيا لا يمكن حلها بالمواجهة المسلحة"، وأن حل هذه القضايا لا يأتي إلا من خلال "ممارسة الشعب الليبي لحقه في اختيار قادته وتجديد شرعية مؤسسات الدولة عبر انتخابات ديمقراطية".

ودعت البعثة إلى "وقف التصعيد فوراً"، وجددت التأكيد أن "استخدام القوة من جانب أي طرف غير مقبول، ولن يؤدي إلى أي نتيجة من شأنها ضمان اعتراف المجتمع الدولي".

وكانت وزارة الخارجية الأميركية حثت قادة ‎ليبيا على إعادة الالتزام بتحديد أساس دستوري للانتخابات، ودون تأخير. وعلى لسان المتحدث باسمها نيد برايس، الذي أصدر بياناً أول أمس الإثنين، عبرت الخارجية عن "قلق الإدارة الأميركية العميق من التهديدات المتكررة باحتمال نشوب مواجهات في طرابلس"، داعية جميع الأطراف إلى "وقف التصعيد".

ودعا برايس من يخاطرون بالانجرار إلى العنف في ليبيا إلى إلقاء أسلحتهم، ولفت إلى أن "عدم الاستقرار في ليبيا يذكر بالحاجة الملحة إلى تعيين ممثل أممي خاص، لاستئناف جهود الوساطة".

inbound5675264822411848618.jpg

من الممكن أن يعجبك أيضاً