post

ما تبعات تعطيل العمل بدستور الثورة على الصعيد الأوروبي؟

تونس الجمعة 21 جانفي 2022

تنعقد نهاية الشهر الجاري، اللجنة البرلمانية المعنية بشمال إفريقيا ضمن إطار البرلمان الأوروبي للنظر في تبعات تعطيل العمل بدستور الثورة، وتأثيرها على العلاقات التونسية الأوروبية.

ويتابع التونسيون مواقف الأطراف الخارجية من انقلاب 25 جويلية بانتباه كبير، خاصة مواقف الدول الكبرى ومنها دول الاتحاد الأوروبي، الذي يُعتبر الشريك الاستراتيجي لتونس.

وطالب خلال الأسبوع الماضي، بعض أنصار الرئيس قيس سعيد، باعتبار سفير ألمانيا في تونس بيتر بروغل شخصية غير مرحب بها، في أعقاب نشر السفارة الألمانية تهنئة للشعب التونسي، عبر صفحتها بـ"فايسبوك"، بمناسبة الذكرى الحادي عشرة للثورة التونسية مرفوقة بلافتة حائطية كتب عليها "شارع 14 جانفي"، في الوقت الذي غيّر فيه رئيس البلاد تاريخ الاحتفال بذكرى الثورة من 14 جانفي إلى 17 ديسمبر.

وفي المقابل، أكد وزير الخارجية عثمان الجرندي، دعم فرنسا لإجراءات قيس سعيّد في أعقاب لقائه بسفير باريس، ما أثار غضب الأطراف المناهضة للانقلاب.

وجاء الموقف الأولي للاتحاد الأوروبي من خطاب سعيّد بصفة سريعة، حيث أصدر بيانا بتاريخ 27 جويلية 2021، دعا فيه السلطة في تونس إلى "احترام الحقوق الأساسية واستعادة الاستقرار، واستئناف عمل البرلمان في تونس في أقرب الآجال"، وأضاف: "سنواصل مراقبة تطورات الوضع عن كثب، والأولويات هي الحفاظ على الديمقراطية واستقرار البلاد".

ولم يسم الاتحاد الأوروبي ما قام به سعيّد بالانقلاب، لكن شدد في المقابل على أن الحفاظ على الديمقراطية واستقرار البلاد يبقى من أولوياته.

هذا الموقف تلته ردود وبيانات أخرى، حيث صدر يوم 16 ديسمبر 2021 عن الممثل السامي باسم الاتحاد الأوروبي، والذي رحب بإعلان سعيّد عن رزنامة المرحلة القادمة إلى حدود إنجاز الانتخابات التشريعية في ديسمبر 2022، واعتبر تلك الخطوة مهمة نحو استعادة الاستقرار المؤسسي.

وفي تعليق، قال الرئيس الأسبق محمد المنصف المرزوقي، إن "الأوروبيين ممسكون العصا من الوسط.. ليست لهم الشّجاعة والقدرة الكافية للمطالبة بالعودة إلى الديمقراطية". وأضاف أن " أعضاء الاتحاد الأوروبي نسوا أنه طيلة هذه السنة ستبقى الدولة محكومة بشخص قد يغير رأيه في أي لحظة".

ولاحقا، صدر عن البرلمان الأوروبي موقفا أكثر وضوحا، حيث صوت البرلمان الأوروبي، الخميس 21 أكتوبر، لصالح قرار يدعو إلى "عودة الديمقراطية في تونس بشكل كامل، واستئناف عمل البرلمان في أسرع وقت ممكن"، فيما عبّر أعضاؤه عن "قلقهم العميق إزاء تركز السلطات بشكل كبير في يد الرئيس، قيس سعيّد"، كما حث البيان على عقد "حوار وطني شامل بشكل فعال، والذي يجب أن يشمل المجتمع المدني".

وفي نفس الاتجاه، أصدر عدد من نواب البرلمان الأوروبي على رأسهم نائب رئيس البرلمان فابيو ماسيمو كاستالدو بتاريخ 14 جانفي  بيانا، أكدوا من خلاله ضرورة العودة إلى الاستقرار المؤسسي والاستقرار الدستوري في أقرب وقت ممكن، واستئناف النشاط البرلماني، واحترام الحقوق الأساسية، من خلال اللجوء إلى الحوار الذي يجب أن يشمل ممثلي الشعب المنتخبين ديمقراطيا وكذلك المجتمع المدني التونسي".

ويتضح من خلال موقف الاتحاد الأوروبي وموقف البرلمان الأوروبي، بالإضافة إلى المواقف الفردية للبلدان الأوروبية، غياب موقف موحد وواضح من مجريات الأحداث في تونس، بالإضافة إلى تميّز الموقف الرسمي للاتحاد الأوروبي في العموم بالتردد والحذر.

وتطوّر موقف الإتحاد الأوروبي من الوضع في تونس يحكمه قدرة السلطة على التحكم في ملفي الأمن والهجرة أساسا، وقدم سعيّد خدمات كبيرة في علاقة بملف الهجرة، إذ كشف النائب بالبرلمان عن دائرة إيطاليا مجدي الكرباعي، وجود اتفاقية غير معلنة بين وزارة خارجية تونس والسلطة الإيطالية، بمقتضاها تحولت تونس إلى حرس الحدود الإيطالية مقابل الحصول على مساعدات مالية تصل إلى 8 ملايين يورو سنويا.

وتزداد المخاوف من قدرة سعيد على إحكام السيطرة على تدفق المهاجرين غير النظاميين إلى أوروبا، خاصة في ظل أوضاع اقتصادية واجتماعية زاد الانقلاب من تدنيها، حيث تفيد تقارير المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية بأن أكثر من 70 بالمئة من المهاجرين غير النظاميين لسنة 2021 تمت بعد شهر جويلية.

وتعتبر بلدان الاتحاد الأوروبي أهم شريك اقتصادي لتونس، حيث بلغت حجم التبادلات التجارية بين تونس وبلدان الاتحاد الأوروبي عام 2019، 33320.200 مليون دينار حسب أرقام المعهد الوطني للإحصاء.

وعلى مدى الفترة الممتدة بين 2011-2016، قدم الاتحاد الأوروبي لتونس مساعدات في شكل هبات تقدر بـ1.271 مليار يورو و800 مليون يورو كقروض. أي ما يقدر مجموعهما بـ2.071 مليار يورو، حسب تقرير صدر عن الاتحاد الأوروبي سنة 2017.

وتواصل دعم الاتحاد الأوروبي لتونس في مجالات التنمية والأمن والهجرة وغيرها، أملا في أن تكون تونس تجربة ناجحة ديمقراطيا وتنمويا، بطريقة تتحقق أهدافهم في الحد من الهجرة، والحد من خطر الإرهاب.

ويعود تاريخ آخر قرض صادق عليه البرلمان الى 21 أفريل 2021  وقيمته 600 مليون يورو. ولم تتجدد النقاشات حول تمويلات إضافية للاقتصاد التونسي منذ ذلك التاريخ، حيث أثر الموقف الحذر للاتحاد الأوروبي على هذه النقاشات، خاصة في ظل غياب برلمان يناقش اتفاقيات التمويل وتعثر الحوار مع صندوق النقد الدولي.

ومن الواضح أن الموقف الأوروبي من الانقلاب في تونس ليس حاسما، والحديث على مراهنة الاتحاد الأوروبي على نجاح التجربة الديمقراطية بات من المسائل غير المسلمة، حيث إن الهاجس الأساسي للأوروبيين هو الاستقرار الأمني، والحد من الهجرة غير الشرعية.

ومن جانب آخر، يتخوّف الأوروبيون من تصاعد وتيرة الغضب السياسي والاجتماعي المعارض لسياسات سعيّد، وما قد ينجر عنه من انفلات ينعكس عليهم سلبا.

ومع ذلك، فإن سعيّد يراهن على دعم الاتحاد الأوروبي له، من خلال تمكينه من التمويلات المالية وإسناد ملف تونس لدى صندوق النقد الدولي، في المقابل، لا تنتظر المعارضة من الأوروبيين سوى الوقوف المبدئي مع الثورة التونسية وديمقراطيتها الناشئة.

inbound3826522471898933200.jpg

من الممكن أن يعجبك أيضاً