post

مفاجآت في الانتخابات البرلمانية اللبنانية.. تراجع حزب الله وحلفائه وتقدّم "القوات" والمستقلين

الشرق الأوسط الإثنين 16 ماي 2022

أحدثت الانتخابات النيابية في لبنان جملة مفاجآت اعتُبِرت خارج التوقعات الإحصائية، مع أنباء عن سقوط شخصيات سياسية وازنة على رأسها رئيس "الحزب الديمقراطي اللبناني" بزعامة طلال أرسلان المدعوم من "حزب الله"، ونائب رئيس البرلمان إيلي فرزلي، في حين تمكّن رئيس "حزب القوات اللبنانية" سمير جعجع من انتزاع الأكثرية النيابية من غريمه رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل (صهر الرئيس ميشال عون) الذي نجا بمقعده النيابي في البترون شمالاً وحلّ ثانياً عليه، بينما استطاع مرشحون عن المجموعات المدنية المستقلة من حصد مقاعد برلمانية في دوائر حزبية كانت تُعتَبر عصيّة على الخرق.

ويظهر تبعاً لهذه النتائج أن الانتخابات أفرزت ميزان قوى جديداً على الساحة السياسية غائبه الأبرز "تيار المستقبل" بزعامة سعد الحريري.

وتبقى هذه النتائج مبنية على أرقام غير نهائية وغير رسمية صادرة عن الماكينات الانتخابية التابعة للأحزاب السياسية والقوى المدنية، إذ لم تصدر وزارة الداخلية أي أرقام رسمية بعد، ما عدا نسبة تقريبية للاقتراع بلغت نحو 41.04% التي تعد متدنية جداً مقارنة بدورة عام 2018 النيابية التي سجلت 49.68%، كما لم تحسم بعد أصوات المغتربين.

وأتت نسبة الاقتراع مخيّبة للآمال، باعتبار أن انتخابات عام 2022 أجريت بعد العديد من المحطات الأساسية في تاريخ لبنان خصوصاً على صعيد انتفاضة 17 تشرين، وانفجار مرفأ بيروت، والانهيار الاقتصادي والنقدي وتدهور قيمة العملة الوطنية، مع الإشارة إلى أن نسبة الاقتراع المتدنية بحسب مطلعين على الأجواء الانتخابية أثرت كثيراً في النتائج وأربكت أحزاب السلطة وصبّت في صالح مجموعات مدنية وأحزاب سياسية تدور في فلك المعارضة عدا عن أصوات المغتربين التي قالت كلمتها في الاستحقاق، إلى جانب عدم مشاركة "تيار المستقبل" بالعملية الانتخابية وضبابية أصوات الناخبين السُنة الذين كانت لهم مشاركة لافتة في الدوائر التي ينتشرون فيها، توحي بخرق جدي للمقاطعة.

وبحسب النتائج الأولية، خسر أرسلان مقعده النيابي أمام المرشح عن المقعد الدرزي في دائرة جبل لبنان الرابعة عاليه مارك ضو المنضوي في لائحة "توحدنا للتغيير" التي تمثل المجتمع المدني، مع الإشارة إلى أن السياسي الدرزي البارز طلال أرسلان كان انتخب عضواً في البرلمان عام 1992 وأعيد انتخابه لدورات 1996، 2000، و2009، و2018، باستثناء عام 2005 الذي خسر فيه مقعده حينها.

نتائج الأحزاب

وأعلن حزب القوات اللبنانية، عن فوزه بما لا يقل عن 20 مقعدا بالانتخابات البرلمانية، في حين خسر السياسي المقرب من حزب الله، مقعدا يشغله منذ 30 عاما، وفق ما أظهرته النتائج الأولية للانتخابات البرلمانية في لبنان.

وقالت رئيس المكتب الصحفي لحزب القوات اللبنانية، أنطوانيت جعجع، لوكالة "رويترز"؛ إن الحزب حصل على ما لا يقل عن 20 مقعدا في الانتخابات البرلمانية اللبنانية. وأضافت: "هذا العدد يمكن أن يرتفع أكثر، وأنه مع وجود حلفاء من الطوائف والأحزاب الدينية الأخرى، يمكن للجبهة اللبنانية أن تشكل أكبر كتلة برلمانية في المجلس المؤلف من 128 مقعدا.

وفي المقابل، قال مسؤول في "حزب الله" اللبناني؛ إن السياسي طلال أرسلان، خسر مقعده البرلماني الذي يشغله منذ 30 عاما، أمام مرشح معارض في الانتخابات البرلمانية التي جرت الأحد. وخسر أرسلان مقعده للوافد الجديد مارك ضو، وهو صاحب شركة إعلانات وأستاذ للدراسات الإعلامية.

من جانبه، قال رئيس الجهاز الانتخابي لحزب التيار الوطني الحر سيد يونس لـ"رويترز"؛ إن الحزب المسيحي المتحالف مع حزب الله، حصل على ما يصل إلى 16 مقعدا في الانتخابات البرلمانية يوم الأحد، ليخسر بذلك عدة مقاعد عن الانتخابات السابقة.

وقال يونس للوكالة؛ إن الحزب حصل على 18 مقعدا خلال انتخابات 2018، وسيسعى لتشكيل كتلة من نحو 20 نائبا مع حلفائه، بمجرد الانتهاء من نتائج الانتخابات.

وشكل التيار الوطني الحر، الذي أسسه الرئيس ميشال عون، أكبر كتلة منفردة بعد انتخابات 2018، ولكن كان من المتوقع على نطاق واسع أن يخسر مقاعد بعد تعرضه لانتقادات شديدة عقب الانهيار المالي للبلاد في 2019.

وعقب إغلاق مراكز الاقتراع، قال رئيس الحكومة نجيب ميقاتي من مقر وزارة الداخلية: "نتمنى أن تنتج الانتخابات مجلس نواب جديدا لانتشال لبنان من أزمته الحالية". وأضاف ميقاتي، في مؤتمر صحفي، أن "نسب الاقتراع تجاوزت الـ50 في المئة في كثير من المناطق اللبنانية بالإضافة إلى انتخابات المغتربين والتي تعتبر إنجازا مهما للدولة اللبنانية".

وبلغ عدد الناخبين 3.9 مليون، بينهم 225 ألف ناخب في الخارج أدلوا بأصواتهم الأسبوع الماضي.وتشكّل الانتخابات أول اختبار حقيقي لمجموعات معارضة ووجوه شابة أفرزتها احتجاجات شعبية غير مسبوقة في أكتوبر 2019، طالبت برحيل الطبقة السياسية.

وتتنافس في الانتخابات التي تجرى كل أربع سنوات، 103 قوائم انتخابية تضم 718 مرشحا موزعين على 15 دائرة انتخابية لاختيار 128 نائبا في البرلمان الذي ينتخب أعضاؤه بدورهم رئيس البلاد.

زلزل اقتصادي يهزّ البلاد

وتأتي الانتخابات في ظل أزمة اقتصادية حادة غير مسبوقة يعاني منها لبنان منذ أكثر من عامين، وأدت إلى انهيار قياسي بقيمة العملة المحلية الليرة مقابل الدولار، فضلا عن شح في الوقود والأدوية وارتفاع أسعار المواد الغذائية. كما تأتي الانتخابات بعد احتجاجات شعبية عارمة اندلعت أواخر 2019، كما أنها تسبق الانتخابات الرئاسية المزمعة في أكتوبر المقبل.

كما تأتي الانتخابات الحالية في الوقت الذي يواجه فيه لبنان انهياراً اقتصادياً صنّفه البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ عام 1850. وبات أكثر من ثمانين في المائة من السكان تحت خط الفقر، وخسرت الليرة اللبنانية أكثر من تسعين في المائة من قيمتها أمام الدولار، ولامس معدل البطالة نحو ثلاثين في المائة. وكذلك، تعاني البلاد من شحّ في السيولة وقيود على السحوبات المالية من المصارف وانقطاع في التيار الكهربائي معظم ساعات اليوم.

ومنذ الانتخابات السابقة في عام 2018 هزّ لبنان انهيار اقتصادي، في ظل اتهامات مباشر للنخبة الحاكمة، كما شهد مرفأ بيروت انفجاراً ضخماً في 2020. ويحمّل اللبنانيون السلطة الحاكمة في بلادهم مسؤولية تدهور الوضع الاقتصادي في البلاد.

وقالت الأمم المتحدة، الأربعاء الماضي، إنّ الدولة اللبنانية والمصرف المركزي مسؤولان عن أزمة مالية غير مسبوقة أدت الى إفقار غالبية السكان الذين يتخبطون لتأمين الحدّ الأدنى من احتياجاتهم.

ومع انخفاض قيمة العملة اللبنانية إلى مستويات غير مسبوقة، يكافح الموظف تحديدا والذي يتقاضى أجره بالليرة اللبنانية من أجل تأمين سيرورة وتكلفة الحياة اليومية، وتأمين أدنى مقومات العيش، وفي ظل هذه المحاولات، تظهر الفواتير الشهرية، لتأمين الكهرباء، والماء، وحتى الإنترنت، معضلة حقيقية لا يمكن للكثير من المواطنين تحمّلها.

الفواتير أضعاف الراتب

ويتكبد اللبنانيون ما لا يقل عن 6 إلى 8 ملايين ليرة لبنانية تقريباً "ما بين 180 و300 دولار" (على اعتبار أنّ سعر الصرف وصل إلى 27 ألف ليرة) لتسديد فاتورة المولد، تضاف إليها فاتورة الكهرباء الرسمية، وفواتير شراء الماء، والإنترنت، وغيرها من الدفعات الشهرية.

وفي العاصمة بيروت، تسدد العائلات ما لا يقل عن ثلاثة ملايين ليرة بدل الاشتراك في مولد الكهرباء، فيما تصل التكاليف في مناطق أخرى إلى حدود 4 ملايين ليرة (أكثر من 100 دولار)، وهي توازي راتب موظف من الدرجات الثالثة في القطاع العام.

وبعيداً عما يتكبّده المواطن نظير الفواتير البديلة التي فرضتها قوى الفساد في لبنان، والتي كان الأجدى بها أن تؤمن مقومات العيش الكريم، يسدد اللبناني رسوم الفواتير الرسمية للتيار الكهربائي الغائب أصلاً، إذ يدفع المواطن في الوقت الحالي ما بين 70 ألفاً و200 ألف ليرة بدل الحصول على كهرباء الدولة، بمعدل وسطي يصل إلى 130 أو 140 ألفاً، وترتفع هذه التكلفة بحسب المناطق، وبحسب التغذية الكهربائية.

وإن بدت هذه التكلفة بسيطة، لكنها توازي 10 في المائة من الحد الأدنى، وهو رقم غير مقبول مقارنة مع ما يتكبده اللبناني شهرياً من فواتير ومدفوعات.

ومن المرجح أن تشهد الضرائب والرسوم التي تسدد شهرياً بدل الحصول على الكهرباء ارتفاعات، بحسب الخطة التي وضعتها وزارة الطاقة والمياه، لترتفع إلى نحو 20 ضعفاً تقريباً، إذ سترتفع قيمة الكيلوواط 16 ضعفاً، لتصبح 566 ليرة فيما سوف ترتفع الكلفة الثابتة والرسوم بنحو 29 ضعفاً لتصبح 287.000 ليرة. بالتالي قد تتراوح قيمة الفاتورة ما بين 600 ألف ومليوني ليرة لبنانية.

وتختلف أسعار الإنترنت بحسب الباقة المقدمة من قبل الشركات. وعادة ما تتراوح الأسعار ما بين 80 إلى 130 ألفاً نظير الحصول على إنترنت من هيئة "أوجيرو" المعنية بالاتصالات، ولكن بسبب رداءة الإنترنت، يضطر الكثير من اللبنانيين إلى الاستعانة بالشركات الخاصة، وتتراوح الأسعار ما بين 30 و90 دولاراً شهرياً، أي بمعدل وسطي يصل إلى 60 دولاراً، أي أكثر من مليون و800 ألف ليرة.

أما بالنسبة للاتصالات الخلوية، فحتى الآن لا يزال السعر مقبولاً بالنسبة إلى أصحاب الرواتب بالعملات الصعبة، ولكن لمحدودي الدخل، فهي بلا شك مرتفعة جداً، حسب مواطنين.

inbound3888617684187270949.jpg

من الممكن أن يعجبك أيضاً