post

من هو رئيس ألمانيا الجديد القديم الذي حمّل روسيا مسؤولية خطر الحرب؟

العالم الإثنين 14 فيفري 2022

أعلنت الجمعية العمومية الاتحادية الألمانية، أمس الأحد، إعادة انتخاب رئيس البلاد فرانك فالتر شتاينماير، لفترة رئاسية ثانية. جاء ذلك إثر جلسة التصويت التي جرت، الأحد، في مبنى بالقرب من مقر الجمعية الاتحادية الألمانية، حيث حصل "شتاينماير" على 1045 صوتا من إجمالي 1437 صوتا ما يعني نحو 73 بالمائة من التأييد.

وكانت إعادة انتخاب شتاينماير بالاقتراع السري من غالبية الناخبين، أمرا متوقعا على نطاق واسع بعد دعم واسع من معظم الأحزاب الرئيسية في البلاد.

وضمنت الأغلبية الكبيرة لأحزاب الائتلاف الحاكم (الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر والحزب الديمقراطي الحر)، بالإضافة إلى حزبي المعارضة حزب المستشارة السابقة انغيلا ميركل المسيحي الديمقراطي وشقيقه الأصغر الحزب المسيحي الاجتماعي البافاري، فوز وزير الخارجية الأسبق (66 عاما) بفترة ولاية ثانية من أول جولة تصويت.

وضمن الرئيس الألماني بذلك في الجولة الأولى من التصويت منصب الرئاسة لولاية ثانية. وبذلك يكون شتاينماير هو خامس رئيس ألماني يحصل على فترة ولاية ثانية. ويعد منصب الرئيس في ألمانيا شرفيا إلى حد كبير.

وفي المقابل، حصل مرشح حزب البديل من أجل ألمانيا، المعادي للإسلام والمهاجرين، ماكس أوته، على 140 صوتا، فيما حصل مرشح اليسار غيرهارد ترابرت، على 96 صوتا، إلى جانب حصول مرشحة حزب "الناخبون الأحرار" شتيفاني غيباور على 58 صوتا.

شتاينماير يحمّل موسكو المسؤولية

وبعيد انتخابه لولاية ثانية من خمس سنوات، قال الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير إن موسكو تتحمل "مسؤولية" خطر "الحرب" في أوروبا بسبب التوتر بشأن أوكرانيا، وذلك عشية زيارة المستشار أولاف شولتس لكييف وبعدها لموسكو.

وقال الرئيس الألماني في خطاب الفوز بولاية رئاسية ثانية مكونة من خمس سنوات بأنه يرى أن هناك مسؤولية تقع على عاتق نظيره الروسي فلاديمير بوتين في التصعيد في النزاع الأوكراني.

ودعا شتاينماير، الرئيس الروسي ليكون جزءا من مجتمع السلام الأوروبي، وقال: "أناشد الرئيس بوتين: فلتحل الرباط عن رقبة أوكرانيا ولتبحث معنا عن طريق يضمن السلام في أوروبا".

وأضاف أنه يتعين على الرئيس الروسي ألا يرتكب خطأ الاستخفاف بقوة الديمقراطية، وأشار إلى أن الرسالة ذاتها تأتي من واشنطن وباريس وبرلين في هذه الأيام، وهي: "نحن نسعى لجوار سلمي في احترام متبادل".

وشدد الرئيس الألماني على ضرورة تحقيق السلام مرارا من خلال الحوار، ولكن أيضا من خلال الوضوح والردع والتصميم إذا اقتضى الأمر. وقال إن رسالة ألمانيا لشركاء حلف شمال الأطلسي "ناتو" في شرق أوروبا هي: "يمكنكم الاعتماد علينا".

وبذلك، حاول شتاينماير الاشتراكي الديموقراطي المقرب من أولاف شولتس توضيح موقف بلاده بعدما تعرضت ألمانيا لانتقادات من أوكرانيا ومن بعض شركائها الغربيين في الأسابيع الأخيرة كونها متساهلة جدا مع موسكو.

وتأتي تصريحات شتاينماير وسط اتهامات من الناتو والولايات المتحدة لروسيا بحشد قوات عند حدودها لغزو أوكرانيا، وهو ما تنفيه موسكو. وبررت روسيا حشد القوات بزيادة نفوذ الناتو في أوكرانيا، الذي تعتبر تهديدا لأمنها.

ومن المقرر أن يلتقي المستشار الألماني أولاف شولتس بالرئيس الروسي بوتين يوم الثلاثاء، حسبما أفادت وكالة بلومبرغ للأنباء.

من هو شتاينماير؟

أكتشف غيرهارد شرويدر - الذي أصبح بعد ذلك مستشار ألمانيا - مواهب شتاينماير السياسية مبكرا. إذ أصبح داعما له وصديقا، وجلبه معه إلى برلين ليصبح مدير مكتب المستشارية، حيث بدأ خطواته السياسية الكبيرة. وتلقى خطبه اللطيفة صدى طيبا في عموم الجمهورية، سافر إلى الخارج ما يقرب من مائة مرة. يلقى دعما واسعا بين شرائح المجتمع والسياسة.

وأعلن الرئيس الألماني فرانك فالتر- شتاينماير نهاية شهر ماي 2021 عن رغبته في إعادة انتخابه رئيسا لألمانيا، حيث قال: "أرغب في اصطحاب بلادنا إلى المستقبل". ألمانيا تعيش حالة وباء بسبب فيروس كورونا "وباء تسبب بألم وحزن"، في "نقطة تحول". أريد أن "أساعد في تطبيب الجروح"، حسب قوله.

قرر شتاينماير المغامرة وتقديم ترشيحه منذ البداية، وجاء الرد سريعا من قبل الائتلاف الحاكم، فالرئيس الاشتراكي الديمقراطي، تلقى دعما من حزبه، وحزب الخضر، والحزب الديمقراطي الحر، وحتى من الاتحاد المسيحي المعارض، إذ لم يرشح اسما آخر في مواجهته. "بالذات بمثل هذه الظروف تكون بلادنا بحاجة إلى شخص موثوق به في هرم الدولة، صوت يمكن أن تقود معا، لا أن تستبعد"، يقول مرشح الحزب المسيحي الديمقراطي لمنصب المستشارية ورئيس الحزب السابق أرمين لاشيت. أي أن المحافظين اختاروا رجلا من المعسكر المقابل.

وخلال فترة تبوئه منصب الرئاسة لمدة خمسة أعوام أثبت شتاينماير أنه يرغب أن يكون رجل الاندماج والوساطة. رجل يبحث عن الحوار، وخصوصا في الفترات العصيبة تظهر نبرته الملائمة.

وبداية شهر جانفي 2022 دعا الرئيس الألماني إلى الحوار العلني في مرحلة النقاش المحتدم بين من هم مع ومن هم ضد إلزامية التلقيح، من بين المدعوين مجموعة من  المشككين بفعالية اللقاحات .

وعلى مدى أسابيع احتدم النقاش حول هذا الموضوع في طول البلاد وعرضها، من حضروا جلسات الحوار دخلوا في نقاش محتدم حول القضية، لكن الرئيس لم يوضح موقفه تماما، إذ قال: "كرئيس للبلاد، لن أتخذ موقفا بنعم أو لا تجاه قضية إلزامية التلقيح". يرى البعض الأمر تضييع للفرصة، موقف غير شجاع، لا موقف أصلا، لكن شتاينماير أدار الحوار، لم يرغب بإثارة أو استفزاز. وكان هذا ربما برنامج مرحلته القادمة.

وبلغ شتاينماير قمة مسيرته السياسية بداية عام 2017، حين انتخابه رئيسا للبلاد في فيفري، مباشرة في أول تصويت. ابتسم ابتسامته العريضة، سعيدا بالنتيجة، ثم أوضح برنامجه: ضد نسيان التاريخ وضد الشعبوية اليمينية.

وأول اختبار له في منصبه الجديد ظهر بعد أشهر قليلة من انتخابه، فبعد الانتخابات البرلمانية في خريف 2017 لم يتمكن قادة الأحزاب الاتفاق على تشكيل ائتلاف حكومي، بل كان الوضع يتجه إلى إعادة الانتخابات، والحزب الذي ينتمي إليه الرئيس، الحزب الاشتراكي الديمقراطي، كان لا يرغب بالعودة مرة أخرى إلى تشكيل ائتلاف حكومي مع الاتحاد المسيحي الديمقراطي.

لكن شتاينماير دعا إلى أخذ نتائج الانتخابات على محمل الجد وتشكيل حكومة قابلة للعمل. وفي مارس 2018 تم تشكيل ائتلاف حكومي بقيادة المستشارة ميركل، الحكومة الرابعة لميركل، بالاشتراك مع حزبه، الحزب الديمقراطي الاشتراكي. وفي تاريخ ألمانيا كانت هذه الوساطة من قبل  رئيس البلاد فريدة من نوعها، إذ أن القانون الأساسي؛ أي الدستور الألماني يمنح الرئيس ـ ولاعتبارات تاريخية ـ مهاما تمثيلية لتمثيل للدولة الألمانية  ـ داخليا وخارجيا.

ويمثل شتاينماير، نموذجا مثاليا لحزبه، الحزب الاشتراكي الديمقراطي، رجل من "خلفيات بسيطة"، فهو نجل نجار وعاملة مصنع من ديتمولد في غرب ألمانيا، تخرج من المدرسة الثانوية ودرس القانون وحصل فيما بعد على الدكتوراه. وفي عام 1975 انضم شتاينماير إلى الحزب الاشتراكي الديمقراطي. وفي الجامعة التقى بزوجته المستقبلية، إلكه بودنبندر، المحامية أيضا.

وحصد شتاينماير أيضا تعاطف كبير من الألمان في نهاية عام 2010، حين تبرع بكليته لزوجته المريضة. وتأثر الشعب الألماني كثير بهذه الخطوة وحصل على تعاطف كبير للسياسي الذي ظل متواضعا. شتاينماير قال حينها إنه "ليس بالعمل البطولي ولا هدية لزوجتي".

وفي عام 2005، عينته المستشارة أنغيلا ميركل وزيراً للخارجية في الائتلاف الكبير بين الحزب الاشتراكي الديمقراطي والاتحاد المسحي الديمقراطي. ثم قرر شتاينماير الصعود إلى المسرح السياسي الكبير. في الانتخابات البرلمانية في عام 2009، خاض الانتخابات ضد أنغيلا ميركل كمرشح لمنصب المستشارة، لكنه فشل، إذ حصد حزبه فقط 23 بالمائة من الأصوات. وكانت أسوأ نتيجة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. اعترف شتاينماير في ذلك الوقت بأن "النتيجة هي يوم مرير للاشتراكية الديمقراطية الألمانية".

inbound3549216195250323362.jpg

من الممكن أن يعجبك أيضاً