post

هل أن القانون الانتخابي خطوة لتصفية الأحزاب أم أنه لا يقصي أحدا؟

سياسة الإثنين 03 أكتوبر 2022

انتقد رئيس الجمهورية قيس سعيد منذ يومين، طريقة الاقتراع على القائمات التي أدت إلى مشهد سياسي وبرلماني كارثي، وفق قوله. وأضاف: "شاهدتم ماذا حدث خلال العشر سنوات الماضية، الدماء كانت تسيل في المجلس. الأصوات تباع وتشترى والتحالفات كانت في الخفاء والقوانين توضع من أجل  الأحزاب، اليوم طريقة الاقتراع ستكون في دوائر ضيقة تتعلق بالعلاقة المباشرة بين الناخب والمنتخب يمنح المترشح تفويضا وسيكون مسؤولا وبإمكان المواطن سحب الوكالة".

وأكد سعيد أن المرسوم الانتخابي لا يقصي الأحزاب وينسحب على الجميع، وأشار الى أنه سيُقصى من أراد أن يقصي نفسه. وتابع أن من يتحدث عن الخلاص (جبهة الخلاص الوطني بقيادة نجيب الشابي ومشاركة النهضة) فقد تم الخلاص منه من قبل الشعب التونسي.

وقال: "من يتحدث عن الخلاص والجبهات يكيل الاتهامات لنا في وسائل الإعلام عبر السب والشتم والحديث عن الديكتاتورية، مجموعات تنتمي الى نفس اللوبي. عن أي ديكتاتورية يتحدثون؟ من تم تتبعه من أجل رأيه؟ خرجنا من الحزب الواحد الى اللوبي الواحد ومن كانوا خصوم الدهر اليوم أصبحوا حلفاء. لابد من تطهير البلاد."

وأضاف: "يدعون الشرعية الوهمية وعدم الاعتراف بالدستور، الشعب يعترف بالدستور والشعب هو من وضعه وأقره وخرج يوم 25 جويلية. تم وضع القانون الانتخابي ومن يرى أن له حظوظ في الفوز فليتقدم للانتخابات. نحترم القانون وسيكون القانون معبر عن إرادة التونسيين".

وأوضح بعض المتابعين للشأن العام أن مقاطعة الأحزاب للانتخابات اعتبرها سعّيد وأنصاره هدية ثمينة أغنت الرئيس عن إقصائهم عبر القانون الانتخابي، ليظهر أمام الرأي العام الداخلي والخارجي أنه لم يُقصِ أحداً.

منع الأحزاب من القيام بحملة انتخابية

ولكن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات أعلنت منع الأحزاب من القيام بحملة انتخابية، وبيّنت بوضوح أنها انتخابات مفتوحة للأفراد فقط، وإن كانوا منتمين إلى أحزاب، وأن النيّات الحقيقية هي فسخها نهائياً.

وأوضح الناطق الرسمي باسم هيئة الانتخابات، محمد التليلي المنصري، أن "الأحزاب السياسية لا حق لها في القيام بحملات انتخابية أثناء فترة الحملة الانتخابية للاستحقاق التشريعي المقرر ليوم 17 ديسمبر القادم".

وأضاف المنصري، في تصريح صحفي، الخميس 29 سبتمبر 2022، أنه "في مقابل ذلك، يحق للمترشحين الأفراد القيام بحملاتهم كمنتمين لأحزاب سياسية والتعريف بها وببرامجها خلال فترة الحملة الانتخابية ".

وأكد الناطق الرسمي باسم هيئة الانتخابات أنه بالنسبة إلى الأحزاب المقاطعة للانتخابات التشريعية أو التي قررت عدم المشاركة فيها، هي غير معنية بالمشاركة في الحملة الانتخابية.

وأفاد المنصري بأن القرار الترتيبي المتعلق بالحملة الانتخابية سيصدر من قبل الهيئة قبل 25 نوفمبر القادم، تاريخ انطلاق الحملة. وأضاف أنه سيصدر قرار ترتيبي مشترك مع الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري، يتعلق بتعاطي وسال الإعلام السمعية البصرية مع الانتخابات التشريعية.

وأشار المنصري إلى وجود ثلاثة موانع مع انطلاق الفترة الانتخابية، وهي منع نشر نتائج سبر الآراء في وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، ومنع الإشهار السياسي (مثل المعلقات الاشهارية)، إضافة إلى منع استعمال الموزع الصوتي والهاتف في القيام بالدعاية.

من جانبه، قال نائب رئيس الهيئة العليا المستقلة للإنتخابات ماهر الجديدي إن المرسوم الانتخابي لا يمنع الأحزاب من دعم المترشحين للانتخابات التشريعية المقررة في 17 ديسمبر 2022.

واضاف في تصريح تلفزي يوم 02 أكتوبر 2022، أنه لتنزيل الاحكام الواردة بالمرسوم الانتخابي على ارض الواقع يجب ان يصدر قرارا ترتيبيا عن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات يتعلق بضبط القواعد والاجراءات المتعلقة بالحملة الانتخابية و يمكن أن يتضمن هذا القرار توضيحات وبيانات في هذا الخصوص، وفق قوله.

تخوّف من الارتباك الحاصل

وقال الأمين العام لحركة "تونس إلى الأمام"، عبيد البريكي، إن "هناك تخوّفاً من الارتباك الحاصل في موقف الهيئة العليا للانتخابات من الأحزاب، خصوصاً في ظل تضارب تصريحات مسؤوليها بخصوص مشاركة الأحزاب في الحملة الانتخابية من عدمها، على الرغم من أن رئيس الدولة أكد أن الأحزاب معنية بالانتخابات".

ودعا البريكي رئيس الدولة، في تصريح إذاعي، إلى "مراجعة عدة مسائل، وخصوصاً ما له علاقة بالقانون الانتخابي"، وقال إن "الانتخابات مهددة والارتباك الحاصل في الموقف من الأحزاب والقانون الانتخابي ومسألة التزكيات تطرح إشكالات، زد على ذلك الوضع الاجتماعي المتفجر، الذي لا يشجع على الإقبال على الانتخاب".

مقاطعة الأحزاب للانتخابات

وتشهد الانتخابات المقررة في 17 ديسمبر المقبل مقاطعة أهم الأحزاب التي شكّلت كل البرلمانات السابقة بعد الثورة، بما يطرح سؤالاً عن شكل هذا البرلمان الجديد الذي سيكون خالياً من الأحزاب، ومن سيمثل بالخصوص. وتقاطع هذه الانتخابات أحزاب النهضة (54 نائباً) والتيار الديمقراطي (22 نائباً) وقلب تونس (30 نائباً) وحزب ائتلاف الكرامة (18 نائباً) والحزب الدستوري الحر (16 نائباً).

وهو ما يعني 140 مقعداً مؤكداً، بالإضافة إلى عدد كبير من نواب الكتلة الوطنية (16 نائباً) وكتلة الإصلاح الوطني (17 نائباً) وكتلة تحيا تونس (10 نواب) وغير المنتمين إلى كتل (18 نائباً) بما يرفع عدد المقاطعين إلى ما يفوق 170 نائباً من البرلمان السابق على أقل تقدير (من أصل 217 نائباً)، بينما يشارك فقط حزب حركة الشعب (16 نائباً).

رفض الحوار مع كل الأطراف

من جهتها، أوضحت النائبة الأولى لرئيس البرلمان، القيادية في حزب قلب تونس، سميرة الشواشي، أن "كل الدول عبّرت عن قلقها الشديد مما يحدث في تونس وتراجع الديمقراطية وما تم في أثناء الانقلاب من هدم للمؤسسات المنتخبة بطريقة شرعية".

واعتبرت أن "هذه المواقف تُوّجت بالحكم الصادر عن المحكمة الأفريقية لحقوق الانسان التي أصدرت حكماً تقول فيه إن الشعب التونسي سلبت حقوقه نتيجة هذا الانقلاب". وأضافت أن "تونس وقّعت على بروتوكول المنظم للانضمام إلى هذه المحكمة، والأمر اليوم لم يعد مجرد آراء سياسية، بل هي مواقف صادرة عن قضاة على نطاق دولي تؤكد أن ما حصل في تونس من قرارات بعد الانقلاب باطلة".

وتابعت أن "سعيّد معزول دولياً وداخلياً، فقد اختار العزلة لأنه رفض الحوار مع كل الأطراف، ومنذ كان البرلمان موجوداً كان يتعامل معه بالمراسلات ولم يكن له أي حوار مع أحد، ولا مكانة لأي حزب في مشروعه حتى ممن ساندوه". وأكدت أن "الجميع انفضّ من حوله، وكل الأحزاب تقريباً قررت مقاطعة الانتخابات، كذلك منظمات المجتمع المدني تقاربت من بعضها لتقف في وجه الديكتاتور".

صراع بين الديمقراطية والاستبداد

وأكد عضو مبادرة "مواطنون ضد الانقلاب" جوهر بن مبارك، في تصريح صحفي، أن مكونات جبهة الخلاص الوطني (النهضة، وقلب تونس، وائتلاف الكرامة، والعمل والإنجاز، وحزب أمل، وحراك تونس الإرادة، ومواطنون ضد الانقلاب) هي التي فازت في أغلب المحطات الانتخابية السابقة، وهي قوة أساسية، وهذا سبب استهدافها اليوم.

وأضاف أنها "الرقم الأول بتنوّعها لأنها تضم كل العائلات السياسية من إسلاميين ويسار وقوميين وليبراليين، وهو ما أرعب كل الغرف السياسية والمنظومات القديمة ومزوري الرأي والإرادة الجماعية، لأنهم يسوّقون لسردية مفادها أن الصراع هو بين سعيّد والنهضة، في حين أن الصراع هو بين الديمقراطية والاستبداد".

وحذر بن مبارك كل المنظمات المدافعة عن حقوق المرأة في تونس من غياب المرأة في البرلمان المقبل، بعدما حُذف شرط المناصفة الذي كان موجوداً في السابق، وأبقي عليه فقط كشرط في جمع التزكيات، ما يعني أن المرأة تكون فقط مزكية للرجال وناخبة لهم. ولذلك قالت الناشطة المعروفة شيماء عيسى إن حملة نسوية ستطلق قريباً شعارها: "لا نزكي.. لا نترشح.. لا ننتخب".

جريمة دولة

من جهتها، قالت رئيسة الحزب الدستوري الحر، عبير موسي، خلال وقفة احتجاجية نفذتها في العاصمة السبت الماضي: "إن المسار الانتخابي المقبل هو بمثابة جريمة دولة. وكل شخص سيشارك فيه إنما سيقوم بتبييض الديكتاتورية والاعتداء على سيادة الشعب".

وجددت موسي التأكيد أن حزبها "لن يعترف بالانتخابات التشريعية، لأن المسار الانتخابي غير قانوني وغير شرعي"، ودعت إلى "ضرورة تنظيم انتخابات تشريعية وفق مبادئ الديمقراطية والشرعية الدولية والقانون الدولي".

جمع كل السلطات

واعتبر القيادي في جبهة الخلاص، الوزير السابق أسامة الخريجي، في تصريح صحفي، أن سعيّد "وضع يده بالفعل على كامل مفاصل السلطة من خلال احتكاره للسلطة التنفيذية منذ 25 جويلية 2021، وكذلك على السلطة التشريعية بتعطيله البرلمان وحله، كذلك على السلطة التأسيسية ومحاولة السيطرة على السلطة القضائية".

وأضاف: "عملياً وبعد الاستشارة وإقرار دستور جديد كتبه بصفة انفرادية، فقد وضع سعيّد يده على كل مفاصل السلطة، وهو يواصل مشروعه الانفرادي من خلال القانون الانتخابي الذي أصدره، وبمقتضاه سيكون لتونس برلمان من دون صلاحيات ولا سلطة حقيقية".

وتابع الخريجي: "من هذه الناحية، نعتبر أن سعيّد جمع كل السلطات، خصوصاً أنه يتمتع بمساعدة واضحة من القوى الصلبة، أي المؤسسة العسكرية والأمنية". وأكد أن "هذا لا يعني أنه في طريق مفتوح، لأن الأمن الحقيقي بالنسبة إلى كل سلطة سياسية هو نجاحها في تلبية متطلبات شعبها على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، ولكن نلاحظ المأزق الذي يتخبط فيه قيس سعيّد وحكومته".

صعوبة الحصول على التزكيات

ويشتكي المشاركون في الانتخابات التشريعية منذ انطلاق الفترة الانتخابية، الأحد 25 سبتمبر الماضي، من إجحاف شروط الترشح وصعوبات جمع التزكيات، ما زاد من تأزم المشهد الانتخابي، الذي ينذر بعزوف الناخبين وضعف في الإقبال.

وأكد رئيس لجنة الإعلام  بحراك 25 جويلية فاروق خلفاوي في تصريح لـ"مرآة تونس" أن الحراك سيطالب رئيس الجمهورية بتقليص عدد التزكيات من 400 تزكية إلى 200 تزكية، لأنه من الصعب تحصيل هذا العدد من التزكيات، وكذلك من المجحف اشتراط 200 رجل و200 امرأة و25% أقل من 35 سنة، مع ضرورة ألا يمنح المواطن تزكيته إلا مرة واحدة، وهذا سيقود إلى تسابق في الحصول على التزكيات.

وأوضح خلفاوي أن هذا الإجراء سيمكن اللوبيات وأصحاب الأموال من الترشح للانتخابات التشريعية وشراء الأصوات، وطالب رئيس الجمهورية قيس سعيد بعدم تعجيز المواطنين خاصة الشباب منهم ومن أصحاب الشهائد العليا وحرمانهم من حقهم في الترشح للبرلمان القادم.

شروط تعجيزية

وكانت منظمة البوصلة أكدت أن شروط الترشح للانتخابات التشريعية، وخصوصاً شرط الـ400 تزكية، تعجيزية على المستويين التقني العملي، وعلى مستوى حصر التزكيات في ناخبات وناخبي دائرة بعينها، في حين أن تمثيليّة النائب وطنيّة"، وأشارت إلى أنه "كان من الأجدى عدم ربط التزكيات بالتقسيم الترابي".

وضع انتخابي متأزم

من جهته، أكد مدير "مرصد شاهد لمراقبة الانتخابات ودعم التحولات الديمقراطية"، الناصر الهرابي في تصريح سابق، أن الوضع الانتخابي المتأزم ينذر بعزوف الناخبين عن المشاركة في الانتخابات، ويزيد من صعوبات هيئة الانتخابات والمجتمع المدني، الذي يحث المواطنين لتحقيق أوسع مشاركة، سواء للمترشحين أو للناخبين للإدلاء بأصواتهم والتعبير عن اختياراتهم".

وبين الهرابي أن "الوضع السياسي والانتخابي لا يشجع على الإقبال على صناديق الانتخابات باعتبار تزايد المقاطعين من الأحزاب والجبهات السياسية، والذين يتجندون للدعوة للمقاطعة كوسيلة للتعبير عن رفضهم الوضع القائم، كما أن عدم تشريك الأحزاب والمجتمع المدني ومختلف الفاعلين سواء في صياغة القانون الانتخابي أو في تحضير العملية الانتخابية زاد من إقصاء مختلف الفاعلين وعزز من خيار عدم التشاركية في المسار الانتخابي".

وبيّن أن "بنود المرسوم الانتخابي لا تشجع على الإقبال للترشح بسبب الصعوبات جمع التزكيات وغياب التمويل العمومي، كما أن طبيعة البرلمان القادم وصلاحياته الدستورية واختصاصاته تقلص من حجم التنافس أمام المترشحين".

إجراء غير مقبول

ومن جانبه، وصف رئيس جمعية "عتيد"، بسام معطر في تصريح صحفي، الجمعة الماضي، إلغاء التمويل العمومي للحملة الانتخابية للمترشحين في التشريعية، بـ"الإجراء غير المقبول"، وقال إنه ينتج عنه عدم تكافؤ للفرص بين المترشحين.

وأوضح معطر أن "اعتماد مبدأ التمويل العمومي للحملات الانتخابية، من شأنه توفير فرصة القيام بحملة انتخابية ذات معنى بالنسبة إلى الفئات المترشحة التي لا تملك المال مثل الشباب"، وفق تعبيره. وأضاف أن "عتيد" تتوقع انتخابات تشريعية "ذات بعد فردي ومعتمدي محلي، وقد تنتج مخاطر تشتت كبير في المشهد البرلماني القادم"، وفق تقديره.

روزنامة الانتخابات 

وكان الرئيس قيس سعيد دعا منتصف شهر سبتمبر التونسيين للتصويت لانتخاب برلمان جديد يتكون من 161 نائبا وفق قانون انتخابي جديد يقوم على الاقتراع للأفراد بدل القائمات الحزبية، التي كان معمولا بها منذ الاستقلال.

وأقر القانون الانتخابي الجديد أن يكون التصويت في الانتخابات التشريعية على الأفراد في دورة واحدة أو دورتين عند الاقتضاء، وذلك في دوائر انتخابية ذات مقعد واحد، علاوة على تقليص عدد المقاعد في مجلس نواب الشعب من 217 إلى 161 مقعدا وتحديد العدد الجملي للدوائر الانتخابية بمائة وواحد وستّين (161 دائرة).

وأصدرت هيئة الانتخابات يوم 20 سبتمبر، روزنامة الانتخابات التشريعية، حيث انطلقت بداية من يوم 21 سبتمبر، في عملية التسجيل الآلي لكل الناخبين غير المسجلين، بإدراج من ستبلغ سنّهم 18 سنة كاملة يوم 16 ديسمبر 2022 بالقائمات الانتخابية.

وتنطلق الحملة الانتخابية، يوم 25 نوفمبر القادم لتتواصل إلى 15 ديسمبر 2022، على أن يتم أيام 15 و16 و17 ديسمبر القادم الاقتراع بالخارج، وسيكون يوم 16 ديسمبر هو يوم الصمت الانتخابي في تونس، واليوم الذي يليه (17 ديسمبر) هو يوم الاقتراع.

وسيتم الإعلان عن النتائج الأوّلية ما بين 18 و20 ديسمبر، أما الإعلان عن النتائج النهائية فسيكون يوم 19 جانفي 2023، إثر الانتهاء من النظر في الطعون والبتّ فيها.

انتخابات.jpg

من الممكن أن يعجبك أيضاً