post

هل كانت زيارة ماكرون إلى روسيا وأوكرانيا لشراء الوقت أم لصنع المعجزات؟

صحافة الخميس 10 فيفري 2022

نشرت مجلة "إيكونوميست" تعليقا حول مهمة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في أوكرانيا وروسيا بأنها "لشراء الوقت، ولكنها لا تصنع المعجزات". وقالت في تقريرها إن الرئيس اتجه في طريق محفوف بالمخاطر بين شكوك أصدقائه وخطاب فلاديمير بوتين الداعي للحرب. وجاء عنوان المقالة من تصريح لماكرون نفسه قبل أن يركب الطائرة الرئاسية من باريس إلى موسكو في 7 فيفري: "لا أؤمن بالمعجزات العفوية".

وبدا ماكرون هادئا بشكل غير عادي قبل واحدة من رحلاته الأكثر صعوبة منذ توليه الرئاسة قبل خمسة أعوام. وكانت بمثابة امتحان لطموحه بأن يكون الدبلوماسي الأوروبي الأول، ولقدرته على عمل شيء يخفض التوتر في الأزمة بشأن روسيا وأوكرانيا.

وبعد محادثات استمرت خمس ساعات مع الرئيس فلاديمير بوتين، طار ماكرون إلى كييف، حيث وقف إلى جانبه الرئيس فولدمور زيلنسكي الذي تعيش بلاده تحت تهديد الغزو الروسي. وقال ماكرون إنه حصل على تعهد من الرئيس الروسي: "لن نكون سببا في تصعيد الأزمة على الحدود مع أوكرانيا".

وعلّقت المجلة بأن وعود بوتين تستحق الثمن الذي تستحقه، لأن الكرملين كان سريعا لنفي أمر كهذا ولا يمكن التحقق منه بشكل علني لتأكيد أقوال ماكرون. وكما هو الحال، فهناك شك من حلفائه الغربيين بأن ماكرون يثق كثيرا بالزعيم الروسي.

ولكن الرئيس الفرنسي كان واثقا في طريقه من موسكو إلى كييف بأنه قادر على "فتح مغاليق الأمور" وأن هناك "إمكانية لتحقيق تقدم في المفاوضات وتخفيف التوتر بين روسيا وأوكرانيا".

وقالت المجلة إن ماكرون يبتعد شهرين عن الانتخابات لإعادة انتخابه. وأسبوعه الحافل من الدبلوماسية هو بطريقة ما، جمع للخيوط المختلفة التي مرت عليه أثناء رئاسته والتي ستكون محلا للفحص في داخل فرنسا وخارجها.

ويشمل ذلك طموحه تأمين مكان أوروبي على رأس الطاولة عندما يتعلق الأمر بالأزمات التي تقع قريبا منها، والحصول على صوت استراتيجي، وهو ما دعا إليه ماكرون منذ توليه الرئاسة.

وقبل ثلاثة أسابيع كان هناك إحباط ملموس في باريس بكونها منحازة دبلوماسيا في وجه أكبر حشد عسكري بالقارة منذ نهاية الحرب الباردة. وقادت الولايات المتحدة والناتو وأطرت الحوار مع بوتين بشأن  الحشود الروسية على حدودها مع أوكرانيا وإخبار الأوروبيين لاحقا، كما قال أحد المستشارين للرئيس الفرنسي.

وتوقف "إطار نورماندي" المكون من أربع طرق للتفاوض بين فرنسا، ألمانيا، أوكرانيا وروسيا. وبحسب النظرة الفرنسية، فإن أوروبا لم يكن لها أي تأثير. وكان هذا أمرا مزعجا بالنسبة إلى ماكرون الذي طالما دعا إلى حوار استراتيجي مع روسيا، بشكل أغضب أعضاء الناتو، وبخاصة الدول القريبة من حدود روسيا.

علاوة على هذا، كان التحليل الفرنسي للوضع العسكري على الحدود الروسية- الأوكرانية متناقضا مع التحليل الأمريكي والبريطاني الذي أكد أن الغزو الروسي بات "محتوما". وشاهدت المخابرات الفرنسية نفس الحشود للشاحنات والقوات، واشترك الدبلوماسيون الفرنسيون بالرأي حول خطورة وتقلب الوضع، لكنهم أكدوا صعوبة استنباط أن الغزو بات محتوما. وجاءت رحلة ماكرون الدبلوماسية بناء على هذه الخلفية.

فقد واجه في الماضي نقدا بسبب نهجه الأحادي الحر. وناقش البعض قبل رحلته إلى موسكو هذا الأسبوع أن عقد حوار مواز مع بوتين وخارج الناتو لن يكون مساعدا. ويشكون بمحاولة الرئيس الفرنسي، رغم رفضه المتكرر، إضعاف الناتو. إلا أن ماكرون تعلم من هذا النقد. وحصل هذه المرة على دعم لدبلوماسيته المكوكية من الرئيس بايدن وكذا الأمين العام للناتو يان ستولنبيرغ وقادة دول البلطيق.

وتم التنسيق في رحلته مع ألمانيا التي قام مستشارها أولاف شولتز ماكرون مباشرة عند نزوله من الطائرة قادما من كييف. وتحدث مع زيلنسكي الذي التقاه أول مرة عندما كان الزعيم الأوكراني يحضر للانتخابات.

وقالت المجلة إن مبادرة ماكرون هي ثلاثية الأطراف، الأول، فهو يحاول تخفيف التوتر المباشر من أجل تقليل إمكانية الحرب. ووصف ماكرون التوتر في حديثه مع بوتين في الكرملين بالملموس. وحذر من أن مخاطر "الاشتعال" على التراب الأوروبي لا تزال حقيقية. ويرى الفرنسيون في تأكيد الكرملين في 8 فيفري أن روسيا ستسحب قواتها بعد المناورة في بيلاروسيا مساحة ضيقة لخفض التصعيد.

وستكون هذه خطوة باتجاه إحياء "إطار نورمادي" مع الألمان. والتقى المفاوضون قبل فترة في باريس. وفي حديثه من كييف، عبّر ماكرون عن أمله من لقاء يجمع الزعماء الأربعة في الأسابيع المقبلة. ويرى الفرنسيون أن هذه هي أفضل فرصة لبوتين لكي يتنحى عن "المنحدر". وعلى المدى البعيد يريد ماكرون البدء بالحديث عن النظام الأمني الأوروبي، وبالتحديد في النواحي الشرقية. ويشعر الكثير من حلفاء الناتو بقلق من هذه الفكرة التي يرون أنها تستجيب لمخاوف روسيا من توسع الناتو، ومعالمها غامضة.

ولا يمكن لأحد اتهام ماكرون بأنه لا يريد تحقيق طموح، فقد اشتكى بوتين من أن الرئيس الفرنسي عذبه بالحديث المستمر لمدة خمس ساعات وعلى مأدبة عشاء مكونة من لحم الرنة والبطاطا الحلوة وثمر العليق. واعترف ماكرون ان إطار نورماندي القائم على اتفاق مينسك الذي وقع عام 2015 "معقد سياسيا".

وفي كييف، قدم زيلنسكي دعما حذرا للموقف الفرنسي ورحب به. إلا ان بعض عناصر اتفاقية مينسك ستضعه في وضع حساس محليا. وبالتأكيد يحاول ماكرون المشي بحذر بين شكوك حلفائه وموقف بوتين المحارب. وربما داس الرئيس الروسي دون أية مبالاة على أي التزام قدمه للفرنسيين، بحسب المجلة.

وقالت إن ماكرون يواجه انتقادات من بعض الدوائر لمحاولته تركيع بوتين، وأنه يحاول الدخول في حذاء المستشارة الألمانية السابقة أنغيلا ميركل التي كانت المحاور الأوروبي المفضلة لبوتين.

ويبدو ماكرون مقتنعا أن دبلوماسية تدعمها العقوبات والردع ربما ساعدت الأوروبيين لوقف الحرب في قارتهم. لكن ماكرون لم يشتر سوى الوقت وليس غير ذلك، بحسب تأكيد المجلة.

وفي نفس الإطار، تقاطع إعلان مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، الثلاثاء، أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون "لم يحقق معجزة" خلال زيارته لروسيا وأوكرانيا، على الرغم من وصفها بـ"المهمة وتشكل عنصر انفراج"، مع ما أسرّ به ماكرون في الطائرة للوفد المرافق له، في هذا السياق.

ونقلت صحيفة "لوموند" الفرنسية، أمس الأربعاء، عن مصادر مقربة من ماكرون قوله إن نظيره الروسي فلاديمير بوتين أثار دهشته، وإن الزيارة لم تكن سهلة. وفي طريقه إلى كييف، ذكر الرئيس الفرنسي أنه أصيب بالدهشة من إصرار نظيره الروسي على تجميد توسع حلف شمال الأطلسي، قائلاً: "لقد وجدته مصمماً، واثقاً من نفسه تماماً ويتقدم بمنطقه".

ذلك الأمر كان واضحاً حين خرج الرئيسان للتحدث إلى الصحافيين بعد 5 ساعات من المباحثات، إذ كانت لهجة بوتين حازمة تجاه أعضاء الأطلسي، الذين مثّلهم ماكرون بشكل أو بآخر بزيارته هذه، خصوصاً عندما قال بنبرة تهديدية، إن "الناتو وروسيا ليسا قابلين للمقارنة، روسيا قوة نووية".

ولم تقتصر صعوبة هذه الزيارة على شقها الروسي بالنسبة إلى الرئيس الفرنسي، إذ كانت هناك مسألة في غاية الحساسية بالنسبة إلى الجانب الأوكراني، تعلقت بمفهوم "الفنلدة" أو الحياد الإجباري، وما إذا كانت قد نوقشت خلال المباحثات بين بوتين وماكرون في موسكو.

و"الفنلدة" (من فنلندا) مصطلح من أيام الحرب الباردة، كان يستخدم في إشارة إلى تأثير الاتحاد السوفييتي بسياسات فنلندا خلال الحرب الباردة. ووفق التصور الفنلندي لهذا المصطلح، فهو يعني كيفية فهم الديناميكيات التي قد تحتاج إليها أمة صغيرة للتعامل مع قوة عظمى شاءت الجغرافيا أن تضعها إلى جوارها، من دون أن تنتهك سيادة تلك الأمة الصغيرة.

هذه المسألة أثارت فضول الأوكرانيين، لكن "لوموند" نقلت عن ماكرون نفيه القاطع أن يكون قد تفوه بهذا المصطلح خلال لقائه مع بوتين، على الرغم من عدم إخفاء الإليزيه بحثه عن صيغة تضمن أمن أوكرانيا، من دون أن يُتجاهَل المطلب الرئيسي لبوتين، وهو وضع حد لتوسع حلف الأطلسي شرقاً على حدود روسيا.

وكان ماكرون قال على متن الرحلة التي أقلته إلى موسكو، الاثنين الماضي، عندما سُئل عن خيار "الفنلدة" إنها "أحد النماذج المطروحة على الطاولة"، لكنه لحساسية هذا المصطلح بالنسبة إلى الأوكرانيين، وحتى بعض الحلفاء الأوروبيين، استدرك بالقول: "أعتقد أننا سنبتكر شيئاً جديداً".

والحساسية التي يحملها هذا المصطلح بالنسبة إلى أوكرانيا وحلفاء أوروبيين آخرين، نابعة من أنها تفترض إبقاء أوكرانيا خارج حلف الأطلسي، على الأقل لفترة من الوقت، مع تقديم ضمانات أمنية لها، وهو منظور لا تريد دول مثل بولندا أن تسمع عنه.

inbound7566082977196392633.jpg

من الممكن أن يعجبك أيضاً