post

الانتخابات المغربية.. دروس مستخلصة فهل من معتبر؟!

تونس الجمعة 10 سبتمبر 2021

مرآة تونس – جليلة فرج

دون الاستحواذ على السلطة بالانقلاب العسكري، ودون التحالف مع المليشيات والمرتزقة ودون استعمال الجيش لإقرار إجراءات استثنائية، استطاع شعب المغرب الشقيق إزاحة الإسلاميين من المشهد السياسي عبر الصناديق. فالديمقراطية هي أن تفوز أو تنهزم انتخابيا لا انقلابيا، وأن يكون الصندوق هو الفيصل وهذا هو المطلوب.

فبعد أن تصدّر انتخابات 2011 و2016، تذيّل حزب العدالة والتنمية ذو المرجعية الإسلامية نتائج انتخابات 2021 وتراجع إلى المرتبة الثامنة، ولم يحصل سوى على 12 مقعدا من مجموع 395 مقعدا، وهي الحصيلة الأضعف للحزب منذ أول مشاركة له في الانتخابات عام 1997، والتي نال فيها 9 مقاعد.

وبعد أن قطع شوطا كبيرا في مجال تدبير الشأن العام في الحكومة والمدن الكبرى والصغرى، وبعد أن أصبح جزءا من الدولة المغربية وأحد مكونات اللعبة السياسية، اتضح اليوم أن الشعب المغربي لم يقتنع بما قدّمه حزب العدالة والتنمية من إنجازات، خاصة وأنه لم يلتزم بوعوده تجاه ناخبيه طيلة العقد الماضي، ولم يعد المواطن المغربي يرى في هذا الحزب القدرة على الاستجابة لمطالبه وحاجياته الاقتصادية والاجتماعية، واستطاع المغربيون معاقبته، وبالتالي انتهت حقبة بن كيران والعثماني ومن والاهم، على الأقل لهذه الفترة الممتدة طيلة خمس سنوات.

إذا الصندوق في المغرب أخبرنا يوم 8 سبتمبر 2021، أن هناك دروس وعبر مستخلصة وتتمثل بالأساس أولا في عدم الخروج عن الديمقراطية وإمكانية إزاحة أي خصم سياسي والتخلص منه وسحب البساط من تحته عبر الانتخابات لا غير، والانتصار الساحق لحزب العدالة والتنمية في 2011 و2016 لا يعني بالضرورة انتصاره في 2021، وثانيا يجب أن نعتبر من ردة الفعل السريعة لقادة العدالة والتنمية وهي استقالة القيادات، وهذا درس آخر من المغرب وهو أن المتسببين في الفشل يتحمّلون مسؤولياتهم ويستقيلون، وهذا ما لم تفهمه بعد قيادات حركة النهضة وهو ثقافة الاستقالة وإعطاء جرعة أمل للشباب وترسيخ قاعدة "اللي غلط يخلص واللي فشل يستقيل".

درس بليغ من المغرب الشقيق

فبعد ساعات من ظهور النتائج، أعلن رئيس الحكومة السابق والأمين العام لحزب العدالة والتنمية سعد الدين العثماني استقالته من منصبه. وجاء في بيان للحزب "تحملت الأمانة العامة كامل مسؤوليتها السياسية عن تدبيرها لهذه المرحلة، وقرّر أعضاؤها وفي مقدمتهم الأمين العام تقديم استقالتهم من الأمانة العامة مع استمرارها في تدبير شؤون الحزب طبقا لمقتضيات المادة 102 من النظام الداخلي للحزب". ودعت الأمانة العامة لعقد دورة استثنائية للمجلس الوطني يوم السبت 18 سبتمبر الجاري، من أجل تقييم شامل للاستحقاقات الانتخابية واتخاذ القرارات المناسبة، كما دعت للتعجيل بعقد مؤتمر وطني استثنائي للحزب في أقرب وقت ممكن.

وهنا يكمن الفرق بين حزب العدالة والتنمية المغربي وحركة النهضة، فبعد أن أظهرت نتائج الانتخابات البرلمانية المغربية انهيار الحزب وتراجعه من المرتبة الأولى بـ125 مقعدا في البرلمان المنتهية ولايته، إلى 12 مقعدا فقط  في البرلمان الجديد، أعلنت الأمانة العامة للحزب استقالة جميع أعضائها، وعلى رأسهم رئيس الحكومة المنتهية ولايته سعد الدين العثماني، ودعت إلى مؤتمر استثنائي في أقرب وقت.

في حين تحصّلت حركة النهضة في الانتخابات التشريعية لسنة 2011 على ما يقارب مليون ونصف المليون صوتا، وفي الانتخابات التشريعية لسنة 2019 تحصلت فقط على 561 ألف صوتا، ورغم تصدرها النتائج إلا أنها فقدت قرابة الثلثين من أصوات الناخبين، وبعد إجراءات 25 جويلية الماضي أصبحت النهضة تقريبا خارج الفعل السياسي، ورغم ذلك لم تتحمل المسؤولية وكان من أهم قراراتها في إطار "المراجعة والتقييم" حلّ المكتب السياسي وإعادة ترشيح أغلب أعضاء المكتب المُنحل للمكتب التنفيذي الجديد ومحاولة إظهار صورة جديدة للحزب بنفس الوجوه القديمة. فبريق السلطة سيطر على أصحاب القرارات في الحركة وعلى أغلب قياداتها، وهي رغبة بقدر ماهي مشروعة في العمل السياسي بقدر ما هي مذمومة إذا كانت النتائج لا تخدم مصلحة الشعب والوطن.

وختاما نقول إنه صحيح أن الهزيمة المدوية لحزب العدالة والتنمية كانت مفاجأة كبيرة إذ ظلت تقديرات الخبراء والمختصين والمحللين ووسائل الإعلام المحلية ترشحه للمنافسة على المراتب الأولى، وظل الحزب يحقق نتائج تصاعدية منذ مشاركته في أول انتخابات برلمانية العام 1997، إلى أن وصل إلى رئاسة الحكومة في أعقاب احتجاجات حركة "20 فبراير" 2011، وبعد خمسة أعوام على رأس الحكومة استطاع الحزب الحفاظ على موقعه وفاز بانتخابات 2016 بفارق مهم عن أقرب منافسيه، بقيادة أمينه العام السابق عبد الإله بنكيران، ولكن تبيّن أن فوز العدالة والتنمية في كل الانتخابات منذ ثورات الربيع العربي ليس حتميا، والشعب الذي أوصلهم إلى المرتبة الأولى في البرلمان طيلة دورتين انتخابيتين متتاليتين، عاقبهم اليوم. وبالتالي فإن التخلص من خصم سياسي في كل دول العالم التي تحترم نفسها وشعبها يكون عبر صندوق الانتخاب لا غير، والانتخابات المغربية أكدت أن الانتصار لإرادة الشعب هي السبيل الوحيد لتجديد الثقة وهو ما لم يستوعبه أنصار الانقلاب والشعبوية. وهكذا على الجميع احترام قواعد اللعبة، وهذا درس بليغ من المغرب الشقيق.

 

galleries/الانتخابات-المغرب-01.png

من الممكن أن يعجبك أيضاً