post

الدعوة لتحرّكات احتجاجيّة جدية وصادمة.. هل تنتفض صفاقس لوضع حدّ لأزمة النفايات؟

تونس الأربعاء 18 ماي 2022

 تم خلال لقاء، نظمته، مساء أمس الثلاثاء، الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بفرعيها (صفاقس الجنوبية وصفاقس الشمالية) مع عدد من مكونات المجتمع المدني لتدارس الوضع البيئي الخطير الذي تعيشه مدينة صفاقس، منذ آخر شهر سبتمبر الماضي، الاتفاق على ضرورة رسم خطة عملية واضحة المعالم للقيام بـ''تحركات احتجاجية جدية وصادمة في القريب العاجل من أجل وضع حد لأزمة النفايات التي تعيش على وقعها الجهة منذ 8 أشهر''.

واقترح عدد من مكونات المجتمع المدني وممثلي وسائل الإعلام، ضرورة القيام بتحركات احتجاجية ميدانية جدية وصادمة من قبل المجتمع المدني، وبث ومضات تحسيسية على مواقع التواصل الاجتماعي، وبعث راديو واب ينشطه عدد من الناشئة اليافعين، وتحسيس المواطنين بضرورة القيام بفرز نفاياتهم المنزلية والاشتغال على مستوى الوعي، من خلال فتح حوار مع الشباب حول المسألة البيئية، وعلى المستوى العلمي، من خلال بعث ماجستير بحث حول البيئة والاقتصاد الأخضر بالجامعة.

واقترح البعض الآخر ضرورة تحديد لقاء ثان يضم المنظمات الكبرى وينتهي بإقرار إضراب جهوي عام تزامنا مع اليوم العالمي للبيئة يوم 5 جوان القادم.

أهمية الجانب القضائي

من ناحيته، اعتبر رئيس فرع صفاقس الجنوبية للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، نعمان مزيد، أنه فضلا عن كل هذه المقترحات العملية، فإن الجانب القضائي يبقى مهما جدا، والذي يتمثل في رفع قضية من قبل أهالي صفاقس للمطالبة بحقهم في بيئة سليمة.

ومن جهته، اقترح رئيس فرع صفاقس الجنوبية للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان السابق وعضو الهيئة المديرة على مستوى مركزي، إبراهيم بن صالح، أن تنبثق عن اجتماع الثلاثاء، هيئة إنقاذ بيئية لرسم خطة عمل واضحة والاشتغال على المستوى الوطني وطلب لقاء بين أعضاء هيئة الإنقاذ البيئية ورئيس الجمهورية.

وبدورها، أكدت، حميدة الشايب، عن فرع صفاقس الشمالية للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، ضرورة التعاون وتشبيك العمل مع الجمعيات التي لها الخبرة اللازمة في المجال للخروج من الأزمة النفايات التي تعيش على وقعها صفاقس منذ 8 أشهر.

وفي تقديمها لتوصيف للوضع البيئي بصفاقس، قالت المستشارة البلدية رئيسة لجنة البيئة والنظافة ببلدية صفاقس، راوية عميرة، "إن المصب الوقتي بطريق الميناء بصفاقس عشوائي بلغ حده سيما، ونحن نواجه إشكالية المد البحري الأحمر المتأتية من المواد العضوية السامة والبعوض "الوشواشة" الناتجة عن النفايات والتي تتزامن مع حرارة الطقس، مما يؤثر سلبا على الثروة السمكية"، وأعربت عن أسفها لافتقاد مدينة بحجم مدينة صفاقس لفضاء لوضع النفايات. وخلصت، عميرة، إلى القول "إن الحل الأمثل يكمن في حرق النفايات الذي يتلاءم مع طبيعة نفاياتنا، التي تعد 66 بالمائة منها عضوية"، وفق تقديرها.

وما انفكّت أزمة النفايات الناجمة عن غلق المصب الجهوي المراقب بالقنّة من معتمدية عقارب بولاية صفاقس، تتفاقم تصاعديّا، لتتوالى معها نداءات الاستغاثة من المواطنين والبلديين في عديد مناطق الجهة.

ومؤخرا عادت أزمة النفايات إلى الواجهة مجددا في صفاقس، وصارت تتكدّس الأوساخ وسط مخاوف من التداعيات الصحية والبيئية لهذه الأزمة، خصوصاً مع بدء ارتفاع درجات الحرارة.

مناطق تتحوّل لمصبات عشوائية

وتحوّلت بعض المناطق إلى مصبات عشوائية منتشرة في كل البلديات تنبعث منها الروائح الكريهة جراء التفاعلات الكيميائية للفضلات المتراكمة على امتداد أسابيع وأشهر متتالية من الزمن وجرّاء عمليات الحرق المتواترة التي يلجأ إليها المواطنون خوفا من الأمراض التي تهدّد صحة أبنائهم.

وكانت صفاقس ومنطقة عقارب تحديداً شهدتا في شهر نوفمبر الماضي احتجاجات غير مسبوقة بسبب النفايات وغلق مصبّ القنة، الأمر الذي أدّى إلى البحث عن حلول مؤقتة، من بينها تحويل أراض زراعية قريبة إلى مصبات لكنّ ذلك قوبل برفض كبير.

وبدأ جمع نفايات ولاية صفاقس مؤقتاً في مصبّ طريق الميناء الذي شهد تكدّساً كبيراً للنفايات في انتظار استكمال تهيئة موقع، في منطقة الليماية التابعة لمعتمدية منزل شاكر والتي تبعد نحو 60 كيلومتراً عن مركز الولاية، تُجمَع فيه النفايات قبل تحويلها لاحقاً إلى مصبّ مراقب، لكنّ أهالي المنطقة يرفضون بشدّة عملية التهيئة تلك واستغلال الموقع كمصبّ جديد للنفايات.

رئيس البلدية يحمل وزارة البيئة المسؤولية

ومن جهته، جدّد رئيس بلدية العين، خالد معلى، في وقت سابق، تحميله المسؤولية إلى وزارة البيئة والوكالة الوطنية للتصرف في النفايات وولاية صفاقس والسّلط العمومية بشكل عام، باعتبارها "عجزت عن توفير بديل عاجل للمصب المغلق رغم وجود عديد الإمكانيات والبدائل مثل "ضيعة زرّوق" و"ليماية"، و"لكنها رضخت للضغوطات، ودخلت في لعبة الجهويات، كما فعلت بعض مكونات المجتمع المدني"، بحسب تعبيره.

ودعا معلّى الدولة إلى "تحمل مسؤوليتها" وإيجاد حلّ عاجل في الأيام القادمة وقبل بداية الصائفة، في انتظار التوصل إلى الحلّ الجذري المتمثل في وحدة للتصرف وتثمين النفايات. كما نبّه إلى خطر ظهور عديد الأمراض الخطيرة مثل "الكوليرا" و"داء الكلب" بالإضافة الى الحساسية والأمراض الجلدية التي تتسبب في انتشارها البعوض والحشرات.

ويذكر أن بلدية العين التي يقطنها 46 ألف سكان وتمتد على 15 كيلومترا مربعا، تنتج يوميا 40 طنا من الفضلات، أي ما يقابل 8 آلاف طن منذ اندلاع الأزمة، يتم رفعها إلى مصبات عشوائية حولت المنطقة إلى سلة مهملات ضخمة، على حد تعبير أحد المواطنين.

أزمة هيكلية

ومن جانبه، قال عضو الهيئة المديرة في قسم العدالة البيئية في المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، منير حسين، في تصريح صحفي سابق، إنّ "الأزمة هيكلية مرتبطة بالخيارات والسياسات في المجال البيئي".

وبيّن أنّ "النفايات الصلبة لا تُعالَج بذلك بل تُنقَل مصادر التلوّث من مكان إلى آخر، أي من الوسط الحضري إلى الريفي حيث الناس لا يملكون الإمكانيات السياسية للدفاع عن حقهم البيئي". وأضاف أنّ "النفايات تكدّس قبل أن تُطمَر".

وأوضح حسين أنّه "عندما أُغلق مصبّ عقارب في صفاقس، وقع الخيار على منطقة الليماية، وهي منطقة فلاحية خصبة تضمّ تجمّعات سكنية"، ولفت إلى أنّه "تمّت مقايضة السكان بالتنمية. لكنّ هؤلاء يرفضون ذلك، وحتى الآن لا حلّ لأزمة النفايات في صفاقس". وتابع حسين أنّه "تمّت العودة إلى الخيار نفسه وهو الطمر، لكنّ هذه التقنية هي في مصلحة الشركات الكبرى التي تستفيد من مثل هذه الصفقات، من دون أن تُحَلّ المشكلة".

تأزم الوضع البيئي

وأشار حسين إلى أنّ "الوضع البيئي في صفاقس يتأزّم ويتدهور، خصوصاً مع بدء ارتفاع درجات الحرارة، علماً أنّ المشكلة لا تكمن فقط على مستوى صفاقس إنّما تمتدّ إلى المدن المحيطة بها". وأكد أنّ "مشكلات عديدة سوف تظهر نتيجة تعفّن النفايات، الأمر قد يدفع الناس إلى الاحتجاج وحرقها عشوائياً، وهذا أمر خطر".

ولاحظ حسين عدم وجود "انتقال بيئي ولا معالجة حقيقية للنفايات، والمطلوب هو التحوّل إلى الفرز، وهذا أمر نلمسه في الخطاب السياسي لوزارة البيئة، لكنّه لا تتوفّر أيّ خطة عملية لانتقال بيئي عملياً". لكنّه أوضح أنّ "ثمّة مبادرات لتوفير آلات للفرز، إنّما المشكلة تبقى في التمويل، فلا الحكومة قادرة على تمويل مثل هذه المشاريع في غياب مساع أخرى لحلحلة الأزمة".

وتوقّع حسين أن "يتّجه الوضع إلى التعقيد، وربّما العودة إلى مصبّ عقارب كحلّ مؤقت في انتظار العثور على مصبّ مناسب، وهو أمر مطروح أي في نفس دائرة الطمر، لكنّه سوف تكون لذلك تداعيات اجتماعية وخيمة.

وشدّد على أنّه "لا بدّ من خلق وحدات للفرز بهدف الحدّ من تكدّس النفايات، إذ إنّ سلوك المواطن لم يتغيّر وهو لا يعي خطورة المشكلة، كذلك لم يتغيّر سلوك البلدية من أجل تعامل جديد مع النفايات المنزلية، وبالتالي، تستمر الأزمة، ولعلّ أولى حلقات التغيير تنطلق من المواطن والبلدية".

واعتبر حسين أنّ "هذا الملف وطني بامتياز ولا يعني فقط صفاقس، بل ثمّة تحرّكات اجتماعية متصاعدة ومختلفة في ما يتعلق بالتلوّث والبيئة عموماً، في ظلّ التعامل العشوائي مع المشكلة وعدم إدارة هذا الملفّ بشكل حسن".

صفاقس مدينة منكُوبة

وأكد الناشط في المجتمع المدني بصفاقس، زياد الملولي، أن الوضع في الجهة خطير وذلك في ظل تواصل أزمة النفايات في المنطقة. وأوضح الملولي في تصريح إذاعي سابق، أنه منذ يوم 26 سبتمبر الفارط لم يقع التوصل لحل جذري لأزمة النفايات وظلت الجهة تعاني من الحلول الترقيعية.

ووجّه الملولي دعوة لرئيس الجمهورية قيس سعيّد لزيارة المدينة والاطلاع عن كثب عن الوضع هناك من أجل إيجاد حلّ نهائي لهذه الأزمة. ولفت إلى أن المواطن في الجهة يئس وتعوّد على الوضع، واعتبر أن صفاقس أصبحت مدينة منكوبة خاصة في ظل انتشار المصابات العشوائية في كل مكان مما تسبب في ظهور عدد كبير من الحشرات وانبعاث روائح كريهة.

inbound3134723569553147112.jpg

من الممكن أن يعجبك أيضاً