post

الغنّوشي لـ«القدس العربي»: لن أترشح للرئاسة مستقبلاً … والتونسيون أضاعوا فرصة إسقاط الانقلاب على الطريقة التركية

سياسة الإثنين 01 أوت 2022

في حوار خاص أجرته معه القدس العربي في مكتبه بالعاصمة التونسية، يتذكّر رئيس حركة النهضة، راشد الغنوشي «اللحظة التاريخية والمأسوية» حيث وقف قبل عام حين كان رئيسا للبرلمان أمام باب المجلس الذي تم إغلاقه بدبابة، عقب إعلان الرئيس قيس سعيّد عن تدابيره الاستثنائية، معتبرا أن سعيّد الذي منحته «النهضة» أكثر من مليون صوت خلال الانتخابات البرلمانية «خدع الجميع وانقلب على الديمقراطية في البلاد».


ويقول الغنوشي: «كانت لحظة تاريخية ومأسوية أن تنتصب دبابة وراء باب البرلمان لتسده، ويُمنع رئيس المجلس ونائبته من الدخول من طرف جندي، وكان ذلك على إثر إعلام الرئيس تجميد عمل المجلس وحل الحكومة، وأنه أصبح يمثل السلطة التنفيذية والقضائية والنيابة العمومية، كما حل هيئة الانتخابات، وحصلت حينها ضجة كبيرة، حيث خرج أتباع الرئيس للشارع يهللون، وكان ذلك مشهدا سيريالياً، فكيف يمكن للشعب التونسي الذي أنجز ثورة هي باكورة الربيع العربي ومجّده العالم ومنحه جائزة نوبل، أن يخرج مصفقا ومهللا للانقلاب على هذه التجربة؟».
ويضيف «لم نتردد حينها بالإعلان بأن ما حدث هو انقلاب على الديمقراطية، وأننا سنقاومه سلميا، وذهبنا إلى المجلس ووجدنا أنفسنا حوالى ستة أفراد لا أكثر، وقلنا إننا نعتبر أن الشعب الذي انتخب أعضاء البرلمان هو الجهة الوحيدة القادرة على حله، وإن هذه الإجراءات باطلة، ونحن نستمد شرعيتنا – كما الرئيس – من الشعب، كما أن الشعب من خلال الدستور لا يقر للرئيس هذا، بل ينص الفصل 80 من الدستور أنه يمكن في حالات استثنائية قصوى أن يعلن الرئيس الإجراءات الاستثنائية لمواجهة الخطر الداهم».

لكن سعيّد لم يصرح حينها ما هو الخطر الداهم الذي دعاه لفرض الحالة الاستثنائية فـ»تبين أن البرلمان هو الخطر الداهم، علما أن الفصل 80 يمنعه من اتخاذ إجراءات استثنائية يعطل بها الدستور إلا لمدة ثلاثين يوما فقط، وينبغي حينها أن يستشير رئيس البرلمان ويكون البرلمان في حالة انعقاد دائم، وأن يستشير رئيس الحكومة ولا يمكنه حل الحكومة، كما أن عليه استشارة المحكمة الدستورية وأن يتم رفع هذه الإجراءات بعد 30 يوما. لكن سعيّد تغافل عن هذا كله، تركه واشتغل كـ»بلدوزر» يهدم الدولة بدستورها ومؤسساتها واحدة بعد أخرى».
وتابع الغنوشي بقوله «بعد شهرين تقريبا من الصمت الرهيب عقب الانقلاب، أمكن لنا أن ننظم -مع مجموعة من المثقفين شكلوا حراك «مواطنون ضد الانقلاب»- أول مسيرة في شارع الحبيب بورقيبة في 18  سبتمبر، ورفعت فيها الشعارات نفسها التي رفعناها في يوم 26 جويلية».

فرصة إسقاط الانقلاب

وهو يرى أن التونسيين أضاعوا فرصة إسقاط «الانقلاب» على الطريقة التركية، مضيفا «نحن رابطنا في ليلة 25/26 جويلية 2021 أمام البرلمان التونسي، وتجمع حولنا المئات فقط (وليس عشرات الآلاف) لأن الناس كانوا في حالة صدمة، وخاصة أنه تم حينها إحراق 150 مقرا لحركة النهضة، وكان النهضويون منشغلين في الحريق داخل بيوتهم، وأنا ناديتهم كي يلتحقوا بنا أمام المجلس ولكن الأوضاع لم تكن مهيأة لذلك، وحتى الذين جاؤوا فيما بعد صرفتهم وقلت لهم: فاتتكم فرصة القضاء على الانقلاب في المهد بالضربة القاضية كما فعل الأتراك مع انقلابهم، ولم يبق أمامكم سوى فرصة واحدة للانتصار وهي عبر التراكم (كما في الملاكمة، فإذا لم تتغلب بالضربة القاضية، يمكنك ذلك عبر النقاط). وفعلا دخلنا مع الانقلاب في مرحلة تجاذب وصراع آملين أننا سننتصر عليه بالنقاط».
ويضيف «ونحن الآن في السنة الثانية من الانقلاب، نشعر أننا حققنا جزءا من أهدافنا، فيوم 25 جويلية 2021 كنا وحدنا تقريبا ومعنا (للأمانة) حزب العمال الشيوعي الذين تجرأوا منذ اللحظة الأولى على القول إنه انقلاب وسنقاومه ولا شرعية له. والآن لا نجد أنفسنا معزولين وإنما الطرف الآخر (الرئيس قيس سعيّد) هو المعزول، فثلاثة أرباع الشعب التونسي لم يلبِ نداء الرئيس للتصويت على دستوره، وهؤلاء استجابوا لدعوة المقاطعة، بمعنى أن الانقلاب اليوم معزول، حيث ترى الأحزاب المهمة والتي لديها اعتبار في تونس كلها اتخذت موقفا رافضا للاستفتاء والدستور، واعتبرت هذه العملية كلها مزيفة. كما أن الذين وقفوا مع 25 جويلية لم يبق منهم إلا القليل، على غرار بعض القوميين، حتى أقصى اليسار تخلى عنه». ويوضح أكثر بقوله «في 25 جويلية 2021 وصلت شعبية قيس سعيّد إلى 90 في المئة بعد الانقلاب، والآن نزلت هذه الشعبية إلى العشرينات في سنة واحدة فقط. والسبب هو أنه لم يفعل شيئا خلال هذه السنة سوى هدم مؤسسات الدولة. يعني عبارة عن بلدوزر هدم كل شيء في طريقه، حيث حلّ البرلمان بعد تجميده، كما حل مجلس القضاء وهيئتي مكافحة الفساد والانتخابات، وغيرها، بالتالي فهو قوة هدم ولم يبنِ شيئا».
وينتقد الغنوشي من يصفون الفترة التي شاركت فيها «النهضة» بحكم بتونس بـ»العشرية السوداء أو عشرية الخراب»، مستدركا بقوله «صحيح أن أوضاع الناس خلال العشرية السابقة لم تكن أوضاعا مزدهرة فكان هناك نقص في التنمية وبطالة وغلاء، ولكن التونسيين كانوا يتمتعون بكل الحريات، حيث لم يسجن أحد بسبب رأيه ولم يتم كسر قلم لمدون ولم تُغلق أي وسيلة إعلام ولا حوكم أحد أمام المحاكم العسكرية».

ويضيف «التونسيون قبل الانقلاب كانوا يتمتعون بأشياء كثيرة حُرموا منها الآن، وكانوا يفتقدون أشياء كثيرة لم يحصلوا عليها بعد كالتنمية والتشغيل، بل إن بعض الناس قالوا: أعطونا يوما واحدا من «العشرية السوداء» حتى نذهب للتبضع ونجد السكر والزيت».
ويتابع بقوله «الناس بعد سنة بدأوا يدركون ما يحدث، فأغلب من انتخب قيس سعيّد في 2019 هم من الشباب والآن لم يبق سوى 2 في المئة من ناخبيه من الشباب، حيث حافظ على قدر من شعبيته ولكن انتقل إلى فئات أخرى هي فئة العجّز والعائلات المعوزة والتي تستخدم المعونات الاجتماعية، يعني تم شراء الولاء السياسي»، في إشارة إلى نتائج الاستفتاء الأخير.
كما يتحدث عن تصويت المنظومة القديمة ممثلة بالحزب الدستوري الحر الذي تقوده عبير موسي لصالح الدستور الجديد «كُرها بالنهضة، ودون الإعلان عن ذلك بأنه صراع، ولكن الدساتير لا تقوم على الأقلية، فـ25 في المئة لا تكفي للإطاحة بدستور صوت عليه 94 في المئة من نواب الشعب الماضي، وهي في أقصى الحالات لا تبني قانونا أساسيا بل هو يحتاج إلى 51 في المئة».
ويضيف «75 في المئة من التونسيين لم يشاركوا في هذا الاستفتاء/المهزلة، والذي حصلت فيه خروقات كثيرة لدرجة الاتهام بالتزوير. ونحن نعتبر أن دستورنا هو دستور الثورة 2014 وأن المؤسسات التي انبثقت عنه هي مؤسسات شرعية وأن ما بني على باطل فهو باطل، ونحن نرفض المسار كله منذ لحظة الانقلاب».
ويتابع بقوله «قبل عام كنا وحدنا تقريبا نقول إن هذا انقلاب على الديمقراطية، ولكننا اليوم في أهم جبهة سياسية في البلاد هي جبهة الخلاص الوطني التي يترأسها أحمد نجيب الشابي، وفيها عشر مجموعات، منهم مجموعة من المجموعات التي انفصلت عن الحركة ولكنها التقت معها في الدائرة الأوسع وهي جبهة الخلاص الوطني، وهناك ائتلاف من خمسة أحزاب (الحملة الوطنية لإسقاط الاستفتاء)، فلم يبق مع قيس سعيّد إلا مجموعات المصالح».

الترحّم على السبسي

وكان الغنوشي استغل يوم التصويت على الاستفتاء لزيارة ضريح السبسي والترحم عليه، ويبرر ذلك بقوله «ذهبت يوم 25 جويلية 2022 للترحم على صديقنا الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي، والذي كنت معه في خصومة كبيرة، حتى أنه يوم تولى أول حكومة بعد الثورة سنة2011 قلت: لقد جاؤونا به من الأرشيف، وهو من أرشيف الدولة البورقيبية، ولكن بعد ذلك تصالحنا عام 2013 (لقاء باريس)، بعدما توجه السبسي بدعوة للقاء وقمت بمصافحة اليد التي امتدت لنا».
ويضيف «الرئيس الباجي كوّن حزب «نداء تونس» وجمع حوله اليسار واليمين، وكان يقول إن النهضة والنداء خطان متوازيان لا يلتقيان إلى يوم القيامة، وإذا التقيا فقل لا حول ولا قوة إلا بالله. ولكن الخطين المتوازيين التقيا، فعاشت تونس في ظل لا حول ولا قوة إلا بالله خمس سنوات وهي على قدر كبير من الطمأنينة والهدوء، في حين كانت دول الربيع العربي من ليبيا إلى مصر إلى سوريا واليمن تشتعل، فتونس أخذت عشر سنوات من الهدوء ومن الحرية والديمقراطية في ظل سياسة التوافق».
ويرى الغنوشي أن الباجي قايد السبسي «كان الوجه المعتدل من النظام القديم وكانفي التوافق – في الحقيقة – بين الدساترة أو العلمانيين المعتدلين وبين الإسلاميين الديمقراطيين المعتدلين، وهذا الأمر أنقذ التجربة التونسية من الانهيار سنة 2013 لأن الانقلاب الذي حدث في مصر تسبب بزلزال كان سيؤثر بالمنطقة كلها، ونحن أوقفنا هذا التأثير من خلال سياسة التوافق بين طرفين كان المنطقي أن يتصارعا ولكنهما تحالفا».
ويشير في السياق، إلى أن شخصيات دستورية معروفة بالاعتدال سبق وأن تصالحت مع الإسلاميين على غرار رئيس الحكومة السابق محمد مزالي «بينما بنى جناح كبير من الحزب الدستوري خلال حكم بورقيبة وبن علي إيديولوجية معادية للإسلاميين، واليوم يمكن القول إن عبير موسي ورثت التراث الفاشي للدساترة».
من جهة أخرى، كشف الغنوشي عن دعوة للحوار تقدم بها للرئيس قيس سعيّد ولكنه رفضها، وأوضح بقوله «حاولت أنا وحاول آخرون مثل اتحاد الشغل دعوة الرئيس للحوار، ولكن تبين أننا واهمون، والآن الدول التي تساعد تونس مثل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة تضغط على الرئيس من أجل أن ينفتح على الآخرين ومن أجل حوار لا يقصي أحدا، ولكن الرئيس شخصيته ليست شخصية حوار، وهو يعتبر نفسه صاحب رسالة إلهية عليا يريد فرضها على الناس لإنقاذ تونس والعالم».
وأضاف «السياسة عند الرئيس سعيّد ليس فيها مجال للنسبية، فهي حق وباطل وخير وشر ونور وظلام وأمانة وخيانة، وهو يعتقد أنه دائما في الجانب المضيء وخصومه في الجانب الآخر، وهذا يتناقض مع مبدأ السياسة التي هي بحث دائم عن تسويات عبر الحوار، لأن الناس مختلفون كما خلقهم الله، والسبيل الوحيد للتعايش بينهم هو السياسة والبحث عن حلول وسطى».
بالمقابل، ينفي الغنوشي ما ذكره بعض المصادر حول طلب سعيّد دعم حركة «النهضة» للفوز في الانتخابات، ولكنه يؤكد أن الحركة منحته أكثر من ثلث الأصوات (مليون من أصل حوالى 2.8 مليون صوت) التي مكنته من الفوز بالرئاسة.
ويوضح بقوله «التقيت بقيس سعيد لقاءات عابرة قبل أن يتولى السلطة، أذكر أنه سلّم عليّ عندما عدت من الخارج، وهاتفته مرات قليلة، ولكني التقيت معه حوالى 20 مرة بعد توليه للرئاسة، وكان ذلك في بيته وفي قصر قرطاج».

الحسابات الخاطئة لـ«النهضة»

وحول تأكيد الرئيس السابق منصف المرزوقي بأن «الحسابات الخاطئة» لحركة النهضة هي التي أوصلت قيس سعيّد للسلطة، يعلّق الغنوشي بقوله «هذا تفسير (أو رأي)، نحن لا ننكر أن بعض حساباتنا خاطئة، ومنها أننا ساهمنا في وصول قيس سعيّد للرئاسة، لأننا أحسنّا الظن فيه وخُدعنا نحن والشعب التونسي فيه، لأنه رجل جاء من خارج السياسة التي تعرضت لحالة تلويث وتدنيس، وهو جاء يلعن السياسة والسياسيين والسلطة والمعارضة، فكأنه جاء من عالم آخر، والناس يبحثون عن الطهر، فقالوا هذا هو الشخص الذي سيملأ الأرض عدلا بعد لأن امتلأت جورا، لأنه قال إنه خاض معركة الرئاسة بخمسين دينارا وإنه نموذج للنظافة، فالشعوب تتعرض للخداع».
ويستدرك بقوله «لكن النهضة لم توصل سعيّد للرئاسة بل ساهمت بذلك كما ساهم غيرها. والرئيس المرزوقي (الذي نعتبره صديقا) لم يستوعب حتى الآن أنه لم ينتصر في انتخابات 2014، ويحمل «النهضة» مسؤولية ذلك، رغم أن أكثر من 90 في المئة من النهضويين صوتوا لصالح المرزوقي ضد الباجي قايد السبسي».
وفيما يتعلق بدعوة المرزوقي للغنوشي للتنحي عن رئاسة البرلمان (في حال عودته للعمل عقب سقوط الانقلاب)، يقول الغنوشي «المرزوقي صرح بهذا سابقا لوسائل الإعلام ولا نرى أن من حقه أن يفعل ذلك، لأن الغنوشي لم يصل للبرلمان بدبابة بل بانتخابات، وبالتالي فالجهة التي أوصلته هي نواب الشعب، فإما أن يستقيل من تلقاء نفسه لأنه اقتنع بذلك أو تساهم بذلك آليات المجلس، رغم أنه وقعت محاولة لسحب الثقة مني ولم تنجح، وعموما السلطة هي للبرلمان وليست لرئيسه».
ويوضح بقوله «أنا لم أُخلق رئيسا وليست لدي مشكلة للانسحاب من رئاسة البرلمان، إذا كان ذلك ضمن تسوية تقوم بها النخبة التونسية الرافضة للانقلاب والمصرة على استعادة الديمقراطية، وإذا كان ذلك جزءا من معادلة (صفقة إذا صح التعبير)، ولكن لن أبادر بذلك إرضاء لقيس سعيّد أو لخصوم الغنوشي (وكثير منهم استئصالي وإقصائي)، وإنما أنسحب لصالح الديمقراطيين إذا اتفقوا على ترتيب أو حل لمشكلة تونس، وكان انسحابي هو جزء من الحل».
ويتهم الغنوشي خصومه السياسيين وعلى رأسهم حزب الديمقراطيين الاشتراكيين الموحد (الوطد) باستغلال القضاء لاستهدافه، في محاولة لتشويه صورته أمام الرأي العام.
ويقول «الذين نافسوا النهضة أمام صناديق الاقتراع منذ سنة 2011 إلى سنة 2019 وهم ينافسون النهضة في الجامعة على قيادة الشباب والطلبة وفي النقابات والبلديات، هؤلاء يدركون أن النهضة منافس له قيمة وأنها الحزب الأول في البلاد حسب آخر انتخابات 2019 وهي الأكثر نفوذا في البلديات ولا تغيب عن أي مجلس بلدي من جملة 350 بلدية في تونس». ويضيف «ما زلنا الحزب الأكبر في البلاد رغم كل ما تلقينا من ضربات، ورغم وجود إقصائيين مشروعهم هو تونس دون إسلاميين وإسلام سياسي ومن دون «نهضة» وحتى لو اقتضى ذلك تونس من دون ديمقراطية ومن دون إسلام، وهذه القوى فشلت في إقصائنا عبر صناديق الاقتراع، وبدلا من أن يصلحوا أحزابهم حتى ينافسونا، عزموا على تحويلنا إلى حالة أمنية وقضائية وإرهابية، فصنعوا قضايا «انستالينغو» و»نماء تونس» و»الجهاز السري»، وهي كلها قضايا مصطنعة، كما أن هيئة الدفاع عن الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي وحزب «الوطد» عطلوا الحسم في هذه القضية لحوالى عقد لأن القضاء حكم ببراءة النهضة، وهم لا يرضيهم إلا دخول النهضة والغنوشي خاصة للسجن، حتى يرتاحوا من هذا الخصم الذي فشلوا في منافسته عبر صناديق الاقتراع».
ويتابع بقوله «أنا شخصيا ليست لدي خشية من هذه القضايا، فيوم 19 تموز/يوليو كنت أمام قاضي التحقيق لمدة عشر ساعات وكان الشاكي بنا هو حزب «الوطد» وعائلة البراهمي، وعندما تناول فريق محامين كفء القضية تبيّن أنها ملفقة ولا تستند إلى شيء ولذلك اضطر القاضي أمام هذه الحجج أن يطلق سراحي».

غاندي تونس

وسبق أن حصل الغنوشي على جائزة غاندي للسلام، وهو ما دفع البعض لنعته بـ»غاندي تونس»، في وقت اعتبر فيه آخرون أن دخوله حقل السياسة أثر سلبا على دوره كمفكر إسلامي داخل تونس وخارجها.
ويعلق على ذلك بقوله «لو استقبلت من أمري ما استدبرت، لما سرت في هذا الطريق الذي تلتصق فيه صورتي بالإرهاب والاغتيالات والنهب والسرقة، وأني أصبحت أكبر ثري في العالم، ويمكن أن أصحح بعض المسارات في حياتي».
ويستدرك بقوله «لكن الطريق الذي سرت فيه – في تقديري- أنه طريق صحيح، فنحن أبناء الإسلام ونؤمن بالقضاء والقدر وأن الحياة والموت بيد الله ومقتنعون بأننا قمنا برحلة شاقة، حيث ارتحلنا بالإسلام من هامش الهامش في الحياة التونسية إلى قلب المعركة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، فعندما جئنا في بداية السبعينيات كان الإسلام مهمشا من الحداثة، وخاصة في أبعادها اليسارية المتشددة، كما أن البورقيبية همشت الإسلام وأطاحت بجامع الزيتونة وبالأوقاف والكتاتيب وبكل المؤسسات الإسلامية ووضعت تونس على طريق التغريب، فنحن مثلنا استجابة لطلب شعبي للتمسك بهوية تونس العربية الإسلامية، واستطعنا خلال رحلة خمسين سنة أن يصبح الإسلام في قلب السياسة والاقتصاد والحياة الأخلاقية والاجتماعية والدولية، وجزءا من الصحوة الإسلامية والإصلاح الإسلامي الذي شهده العالم الإسلامي من أندونيسيا إلى أفريقيا، وهذا الحراك يتقدم، فالإسلام يتقدم في الجغرافيا والديموغرافيا وفي العلوم والمعارف، ونحن جزء من هذه الحالة».
ويضيف «توصلنا للمناداة بالإسلام الديمقراطي، فهذه أهم خطوة قمنا بها لأن أهم بوابة دخل منها الشر على أمة الإسلام هي الاستبداد، وبالتالي نحن قدمنا معالجة لهذا الاستبداد والتوفيق بين الإسلام والديمقراطية واعتبار أن الديمقراطية هي التجسيد الأمثل لمبدأ الشورى الذي يقوم على أن الحكم مشاركة وليس انفرادا، هذا المبدأ العظيم – للأسف – لم يجد له المسلمون ترجمة آلية وتقنية، الغرب هو من فعل ذلك، أوجد آلية لكيفية القضاء على الاستبداد وهو بوابة الشر المطلق».
ورغم أن دستور الرئيس قيس سعيّد ينص في فصله الخامس على مقاصد الإسلام والشريعة، إلا أن النهضة رفضته «لأننا اعتبرناه نوعا من دس السم في العسل، لأن مقاصد الإسلام – حسب هذا الفصل – الدولة فقط هي التي تعبر عنها، والدولة هي الرئيس حسب الدستور، وهذا يتفق مع أفكار حزب التحرير الذي يقول إن الرئيس هو الدولة، ولكننا نعتبر أن هذا هو الشر حتى ولو جاءنا باسم الإسلام، بل إن أخطر الشر هو الذي يأتي متلبسا بقيم الخير، ونحن رفضنا الدستور لسوأة أساسية فيه هي أنه يجمع السلطات كلها بيد الرئيس، وهذا هو الاستبداد الذي يتجلى بتجميع السلطات بيد شخص واحد، وترجمه في القرآن فرعون الذي يقول أنا ربكم الأعلى وما أريكم إلا ما أرى».
الدستور الجديد «يعطي صلاحيات فرعونية للرئيس قيس سعيّد، الذي يريد أن يستبد بنا باسم الإسلام، وهو أسوأ أنواع الاستبداد، وهو ما يجعل قيس سعيّد سلطانا من جملة السلاطين الذين عرفهم عصرنا والموجودين في أكثر من بلد عربي، فهناك سلطة واحدة تتحكم بكل شيء ولا أحد يقول لها لا، وأحد فصول الدستور ينص على أن الرئيس قادر على كل شيء لكنه لا يُسأل عما يفعل». ويضيف «ولذلك قلت إننا نحب وجود الكلمات الإسلامية في الدستور، ولكن إذا كنت مضطرا أن أختار بين دستور فيه ضمانات حقوق الإنسان وضمانات الحرية وليس فيه كلمة إسلام، وبين آخر مليء بكلمات الإسلام التي نحبها لكن سلطة الحاكم فيه مطلقة (مثل دستور سعيّد)، فأنا أفضل الدستور الأول حتى لو كان علمانيا، لأنني عندما اضطهدت ذهبت لبلدان إسلامية كثيرة ولكن طُردت منها، فذهبت إلى ملك لا يُظلم عنده الناس». ويوضح بقوله «ذهبت إلى بريطانيا، فهناك ملكة لا تعلن الإسلام لكنها تعلن حقوق الإنسان، وعشت فيها 22 سنة لم يسألني فيها شرطي لماذا قلت ما قلت، ولماذا ذهبت إلى ذلك البلد أو غيره، رغم أني جلت العالم، ولذلك أنا قلت إن مجتمعا علمانيا من هذا القبيل تتوفر فيه حقوق الإنسان أفضل».
لكنه يستدرك بقوله «ولماذا لا يكون لدينا مجتمع إسلامي تتوفر فيه حقوق الإنسان؟ لماذا نخير بين مجتمع إسلامي ديكتاتوري وبين مجتمع علماني ديمقراطي؟»، مضيفا «هذا الخيار حاولنا التغلب عليه بصياغة مصطلح الديمقراطية الإسلامية، ونعتبر أن هذه أهم إضافة قدمها الفكر الإسلامي التونسي للفكر الإسلامي الحديث».

وينفي الغنوشي نيته الترشح مستقبلا للانتخابات الرئاسية في تونس، بعد انتهاء الأزمة السياسية الحالية، ويوضح بقوله «عمري الآن 82 عاما، ولذلك نحن مرشحون – إن شاء الله – للقاء الله سبحانه وتعالى».

88c403b5-93f3-4607-8729-bcfc4b55943f.jpeg

من الممكن أن يعجبك أيضاً