post

الفوضوية: نظرية سياسية في طور التحيين

سياسة الجمعة 24 جوان 2022

تطلق الفوضويّة على "نظريّة سياسيّة تطالب بالحرّيّة المطلقة، وهي تنطلق من رفض سلطة الدّولة أو أيّة سلطة قهريّة مماثلة" ً

فالدولة في عرف أصحاب هذه النظريّة تمثّل الشرّ الأعظم، وكلّ تنظيم أو شكل من أشكال الحكم عندهم عمل لا أخلاقي، لكونه قيدا يفرضه طرف على طرف آخر، فيتحوّل من ثمّة إلى شرّ يستوجب التخلّص والتحرّر منه. والفرد عندهم هو القيمة المثلى والعليا الجديرة بالاهتمام. وكلّ طاعة تحطيم لشخصية هذا الفرد، والثورة ضدّ كل سلطة في المقابل إثبات لهذه الشخصية وإعلاء من شأنها.

"فالفوضويّة " إذن، تنبني على رفض الدولة وعلى مشروع تأسيس مجتمع من الأفراد الأحرار، دونما حاجة إلى جهاز دولة متعال، ليردع بعضهم عن بعض، نظرا لمشاعة الأملاك ونظرا لطيب الانسان الأصلي ونزوعه الطبيعي للخير" .

ولم تعرف الفوضويّة مذهبا إلاّ في القرن التاسع عشر، متزامنة مع ظهور الاشتراكيّة. وللفوضويّة أشكال أو مظاهر مختلفة :

- منها الفوضويّة المسيحيّة ممثّلة في المفكّر والأديب الروسي تولستوي الذي ينكر حاجة الشعوب المتحضّرة إلى الدولة.

- الفوضويّة الفرديّة ومن أبرز علاماتها الإنجليزي وليم غودوين (Godwin) والألماني ماكس شتيرنر اللذين ينكران ضرورة الدولة إنكارا مطلقا.

- الفوضويّة الشيوعيّة، ومن أعلامها الفرنسي برودون (Proudhon) الذي كان يلقّب بأب الفوضويّة، وهو أوّل من جعل منها (الفوضويّة) حركة شعبيّة بدعوته الأحرار إلى التعاون في ما بينهم دون الحاجة إلى حكومة تحكمهم أو نظام يفرض عليهم قيوده. ومن ممثلي هذه الفوضويّة الشيوعيّة أيضا الروسيّان كروبتكين (Kropotkine) وباكونين (Bakounine) اللذين كانا يقولان بزوال الدولة استنادا إلى فعل التطوّر الإنساني.

كيف يمكن أن يدار المجتمع بدون حكومة أو سلطات ؟ .. فحتى لو سلمنا بأن الفوضوية ستخلق حقا مجتمعا فاضلا ومثاليا ، لكن ذلك لا يعني بالتأكيد اختفاء الجريمة تماما ، فهناك أشخاص عنيفين ويستمتعون بإيذاء الاخرين نتيجة خلل جيني أو مشكلة عقلية .. فكيف سيتم التعامل مع هؤلاء في ظل غياب الشرطة وعدم وجود سجون؟!

اولى الطرق هي المقاطعة والتقويم المجتمعي ، فالفوضوييون لا يقبلون بوجود سجون ، ولا يسمحون بأن يسجن شخص أو يعدم ، لكن بالمقابل يدعون لتقويم السلوك المنحرف عن طريق رد فعل مجتمعي رادع ، مثلا لو قام رجل باغتصاب امرأة ، فلن يعاقب بالسجن ، بل ستكون عقوبته عدم تكلم النساء معه ومقاطعته وعزله تدريجيا عن المجتمع ، ومراقبته تطوعيا وبأستمرار من قبل أفراد اخرين في المجتمع لكي لا يكرر فعلته .. ونفس الأمر يمكن أن يطبق على جرائم أخرى ..

الملاحظ انه لا يوجد لحد اليوم مجتمع فوضوي حقيقي على أرض الواقع فقط هي تيارات فكرية لم تظهر بشكل منظم للوجود إلا في منتصف القرن التاسع عشر ، مع وجود ارهاصات اثناء الثورة الفرنسية اواخر القرن الثامن عشر.

والجدير بالذكر ، أن الفوضوية ، مثلها مثل كل الحركات المجتمعة والسياسية ، لا تقتصر على تيار واحد ، بل تتفرع إلى عدة تيارات ولكل منها تصوراته ونظرياته، ورغم أن الفوضوية عموما تدعو إلى السلم والسلام وتحكيم العقل ، لكن هناك تيارات فوضوية مارست عنفا ضد ما تعتبره استبدادا سلطويا ، وأبرز صور هذا العنف تجسد في تنفيذ عمليات اغتيال لشخصيات على هرم السلطة ، لعل أشهرها هي اغتيال ملك ايطاليا اومبيريتو الاول عام 1900 ، واغتيال ملك اليونان جورج الاول 1913 ، وأغتيال رئيس الولايات المتحدة ويليام ماكينلي عام 1901، لكن العنف الفوضوي " المعاصر" استحوذ على اشكال تخالف جوهر فلسفته .

عملية التحيين تبدو معقدة لتقاطعها مع الشعبوية تارة والنخبوية تارة أخرى، لذلك يرى فقهاء السياسة أن الفوضوية انغمست وسط "جمهور الثورات" لتنفذ أجندة خاصة بها شعارها مثالي يستقطب الحالمين والغاضبين من الواقع وباطنها الفردية الاستبدادية .

2bcf5ef0-3b7c-4f8c-ac63-42863cbd7b99.jpeg

من الممكن أن يعجبك أيضاً