post

رغم التضييقات الأمنية الشديدة.. "من لا وزن لهم" يجتمعون في مظاهرة حاشدة رفضا للانقلاب

تونس الإثنين 15 نوفمبر 2021

مرآة تونس - جليلة فرج

بعد أن وصف معارضيه بأبشع النعوت في كل ظهور إعلامي له، أكد رئيس الجمهورية أن هؤلاء "لا وزن لهم في المجتمع حتى أمنعهم"، وأنه "لم يتم تعليق الباب الأول والثاني من الدستور"، ولكنه كالعادة يفعل عكس ما يقول حيث حاول بكل الوسائل منع من لا وزن لهم من ممارسة حقهم الدستوري.

كما قال رئيسنا في إشارة إلى معارضيه "إنهم يحاولون زرع الفتنة"، ونسي أو تناسى أنه هو من حاول في كلّ مرّة خلق الفتنة والتشجيع على التصادم وزيادة الاحتقان وتقسيم الشعب وظلّ يكرّس خطاب الكراهية ويهاجم أبناء شعبه المخالفين لتوجهاته.

ودفاعا عن الدستور والديمقراطية والسلطة التشريعية واستقلال القضاء، نظمت مسيرة سلمية يوم أمس، ضدّ انقلاب سعيّد على الدستور وعلى مؤسسات الدولة وعلى الحقوق والحريات. وتوافد المتظاهرون على شارع 20 مارس بباردو، بعد أن منعوا من التواجد في ساحة باردو أمام البرلمان مثلما كان مبرمجا، ونادوا باحترام أحكام الدستور وعودة البرلمان إلى سالف نشاطه، وطالبوا بحماية الدستور والديمقراطية وحقوق الإنسان، في حركة احتجاجية جديدة رفضا لانقلاب سعيّد على الدستور وعلى القانون وعلى المؤسسات.

ورفع المتظاهرون شعارات "الشعب يريد ما لا تريد"، "الشعب يريد عودة البرلمان"، "الشعب يريد عزل الرئيس"، "الشعب يريد إسقاط النظام"، "الشعب يريد إنهاء الانقلاب"..، مع دعوات لإطلاق سراح المحكومين في القضاء العسكري.

واتّبع المشرفون على التنظيم كلّ الإجراءات التي يقتضيها القانون وحصلوا على الموافقة كاملة، ولكن السلطة بدلا من احترام القانون وما تعهدت به سارعت إلى محاولة منع هذه التظاهرة بمختلف الأساليب.

وشارك في مظاهرة باردو عشرات الآلاف من التونسيين، وتمّ منع أضعاف هذا العدد من الوصول إلى العاصمة حيث تمّ التصدّي بالمنع التام لكل القادمين من ولايات قابس ومدنين وتطاوين وقبلي وصفاقس على مستوى قابس وصفاقس، والقادمين من مدن الساحل والوسط على الطريق في الجم وسوسة والقيروان. كما تم منع القادمين من القصرين والكاف وباجة وسليانة وجندوبة ومدن زغوان وجهة الوطن القبلي في ولاياتهم قبل الخروج منها وطلب منهم العودة أدراجهم. وتم إيقاف حركة القطارات وسيارات الأجرة ومصادرة وثائق وسائل النقل والتحفظ على المسافرين وتفتيش السيارات الخاصة ووصل الأمر إلى حجز عدد من التونسيين في مراكز الأمن في أسلوب غير مسبوق في تونس.

وبهذا الاستنفار غير المسبوق لأعوان الأمن ولوسائل أمنية كثيفة، كانت السلطة تتوقع أن لا يصل أكثر من ألف شخص إلى مكان الاحتجاج المدني السلمي وكان بلاغ وزارة الداخلية في هذا الاتجاه جاهزا قبل انتهاء المظاهرة فكانت المفاجأة حضور عشرات الآلاف، أحاط بهم مئات أعوان الأمن وغطى حضورهم بالتوثيق المصوّر عدد كبير من الصحفيين التونسيين والأجانب.

توسيع الجبهة المعارضة

توسّعت الجبهة المعارضة للانقلاب على مستوى النخبة وكذلك جماهيريا. وتناوب على إلقاء كلمات أمام الحاضرين خلال هذه الوقفة الاحتجاجية، مجموعة من النخب السياسية والحقوقية من مختلف التوجهات الفكرية والسياسية.

وضمّت هذه الجبهة المعارضة للانقلاب أغلب الحقوقيين والسياسيين من مختلف المشارب من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين. وهذه الجبهة المعارضة للانقلاب مدعومة من سميرة الشواشي، رضا بالحاج، الصغير الشامخ، عبد الرؤوف بالطبيب، حبيب بوعجيلة، سناء بن عاشور، إسلام حمزة، منى كريم، محمد ضيف الله، لمين والأسعد البوعزيزي، جوهر بن مبارك، سناء وعياض بن عاشور، أحمد صواب، أحمد الرحموني، سامي براهم، سمير ديلو، عبد اللطيف المكّي.. والكثير من السياسيين والحقوقيين..، وعشرات آلاف المواطنين.

حضور غفير رغم المضايقات الأمنية

رغم تخويف وترويع الناشطات واعتقال بعض المتظاهرين ومساءلتهم في مراكز الإيقاف، ورغم غلق كل المنافذ المؤدية إلى باردو، ورغم وجود حواجز لم نعهدها زمن بن علي حيث أن كل من شاهدها أوحت له بأننا في فلسطين المحتلة، ورغم منع وصول عشرات الآلاف من المواطنين من مختلف الجهات إلى العاصمة، إلا أن الجماهير تحدّت هذه العراقيل وحضرت بأعداد غفيرة.

وتعرّضت المظاهرة للمنع والتعطيل والمضايقات ومنع التنقّل وحجز لوثائق السّيّارات وإقفال محكم لجميع الشّوارع المؤدّية للبرلمان وحجز مضخّمات الصّوت والمنصّة المعدّة لإلقاء الكلمات. حيث تم منع المتظاهرين من الوصول إلى العاصمة عبر إيقاف السيارات بالطرقات الوطنية والطرقات السيارة وفي محطات الاستخلاص وتعطيل مصالح المواطنين، وافتكاك أوراق السيارات للبعض وإرغامهم على العودة من حيث أتَوا، وتم تفعيل النقاط الأمنية بالجهات لمنع تجمهر المواطنين بأعداد غفيرة في الطرقات المغلقة، ومنع وكالات الأسفار من كراء الحافلات وتعطيل النقل العمومي بشتى الوسائل، وتم أيضا اقتياد بعض المواطنين المحتجين على هذا التضييق في الطرقات إلى مراكز الأمن وهرسلتهم.

ومُنع المتظاهرون من الوصول إلى ساحة باردو عبر الحواجز التي أغلقت كامل المنافذ المؤدية إلى الساحة مع تواجد أمني مكثف جدا، وتمت محاولة تشتيت المسيرة وتحجيمها وإجبار المتظاهرين على التواجد في مجموعات متفرقة، ومنع القائمين على التظاهرة من نصب منصة لإلقاء الكلمات وحجز الشاحنة المعدة لذلك وحجز كافة المعدات الصوتية.

وتم الاعتداء على حقوقهم الطبيعية والقانونية في التنقل في أرجاء وطنهم والتعبير عن مواقفهم بما في ذلك معارضة الانقلاب على الدستور والثورة وإرادة الشعب التونسي.

وشهدت منطقة باردو حضورا مكثفا لقوات الأمن التي أغلقت كلّ المنافذ المؤدية للبرلمان، وقامت بتطويق المداخل الرئيسية للعاصمة. تضييقات أمنية وحصار شهده البرلمان والشوارع المجاورة له تزامنا مع المظاهرة المناهضة لانقلاب سعيّد والمناصرة للديمقراطية.

مسيرة سلمية رغم تقييد الحريّة

رغم القيود التي فرضت، حافظت المسيرة الاحتجاجية على طابعها السلمي، واحتشد عشرات الآلاف، وتدفق المحتجون وردّدوا شعار "يا للعار يا للعار المسيرة في حصار"، احتجاجا على غلق وحدات الأمن لعدد من المنافذ باستعمال الحواجز المعدنية.

وأكد شهود عيون وصور وتسجيلات فيديو وجود تضييقات ومحاصرة للمتظاهرين، فقد تمّ أوّلا منع التظاهرة بساحة باردو كما كان مبرمجا لها منذ البداية رغم سبق إعلام وزارة الداخلية بذلك طبق القانون. ثمّ تمّت محاصرة فضاء الوقفة الاحتجاجيّة في شارع 20 مارس بمساحة ضيّقة جدّا لتصغير حجمها، ومنع عدد كبير من المحتجّين من الالتحاق بالمظاهرة وتمّ تعطيلهم لوقت طويل.

وأكّد المرصد الدولي لحقوق الإنسان بتونس تسجيل حالات منع لمواطنين قادمين من ولايات أخرى من التنقل، وخاصة القادمين من ولاية قابس وصفاقس وجندوبة وقفصة. واعتبر المرصد أنّ حرية التظاهر في باردو مقيدة، حيث تم وضع الحواجز الأمنية التي حالت دون دخول المتظاهرين إلى ساحة باردو. وقال إن الانتهاكات المسجلة عديدة وتتمثل خاصة في منع التنقل ومنع الوصول إلى مكان الاحتجاج، إضافة إلى احتجاز هويات عدد من المواطنين وافتكاك أوراق سياراتهم..

ويعتقد عدد من الملاحظين بأنّ الغرض الأساسي من هذه التضييقات الأمنية يهدف إلى الحيلولة دون تجمّع عدد كبير جدّا من المتظاهرين ضدّ رئيس الجمهوريّة في نفس الوقت، بما يحرج قيس سعيّد، والذي أبدى توتّرا وانزعاجا واضحا من هذه التظاهرات المناهضة له، وظهر ذلك جليّا في مهاجمتها وشيطنتها من قبله بأبشع النعوت وبتشنّج فاضح.

رئيسنا تعمّد تشتيت المتظاهرين وتقسيمهم بنشر الحواجز في كل المداخل وفي كل مكان، ولكن كانت هذه الحواجز سياج الحرية بالنسبة إليهم. رئيسنا حاول تشويه معارضيه وإسكاتهم ومحاصرة الحناجر الذهبية، باستعمال الداخلية في قمعه للمتظاهرين، ولكن نجحت المظاهرة بسلميتها ورسائلها وأهدافها.

ويتواصل الدفاع عن الديمقراطية..

مواصلة في الدفاع بكلّ الوسائل المشروعة عن مطالب الشعب التونسي العادلة في الحرية والديمقراطية والكرامة الوطنية، وبعد نجاح هذه المظاهرة، أفاد الناشط السياسي وأستاذ القانون الدستوري جوهر بن مبارك، بأنّ الخطوة القادمة التي سيتم اتخاذها هي طرح سياسي ورؤية سياسية تضمّ مجموعة من النقاط سيتمّ عرضها على كل المجتمع التونسي والأحزاب السياسية والمنظمات الوطنية.

وقال بن مبارك "سنواصل بالتظاهر السلمي وبكل أدوات المقاومة السلمية، وتقديم هذا التصور للمجتمع التونسي على أنّه الحل الوحيد للخروج من هذه الأزمة". وتابع: "سنعمق ونكثف فعاليات تحركاتنا سواء كان في الجهات، أو في الخارج، ونحن بصدد تشكيل هيئات لـ"مواطنون ضد الانقلاب" في كل دول العالم للدفاع عن رؤيتنا السياسية ". وأكّد أنّ هذه التحركات غير ممولة مادّيا، وقال: "لم نصرف مليما واحدا، لا عندنا تمويلات ولا مصاريف ولا مداخيل، أحنا نخرجوا للشارع نعيطوا".

 

galleries/ر-مظاهر-حاشد-رفضا-للانقلاب-01.png

من الممكن أن يعجبك أيضاً