post

سامي السيفي.. الإنسانية التي أهدرها استبداد الدولة ونكّل بها حقد المجتمع وتغافلت عنها بيروقراطية النهضة

تونس الجمعة 10 ديسمبر 2021

مرآة تونس – جليلة فرج

منذ 2011 ونحن نسمع أن حركة النهضة عيّنت أبناءها في مختلف المناصب السياسية والإدارية، وأفرغت خزينة الدولة وسرقت أموالها، وتحصلت على تعويضات خيالية حتى أن بعض أبنائها صار يمتلك المعامل واليخوت والقصور والمليارات.. وأصبح البعض يردّد الكثير من الأسئلة على غرار "قداش كيلو النضال"؟ هل رأيتم نهضاويا فقيرا؟ هل يوجد نهضاويا عاطلا عن العمل؟..

ولكن في الحقيقة نحن نسمع جعجعة ولا نرى طحينا، حيث اكتشف الجميع قبل يوم فقط من الاحتفال باليوم العالمي لحقوق الإنسان أن هناك من أبناء النهضة من يفتقرون إلى أبسط حقوق الإنسان وينطبق عليهم صفة المعذبون في الأرض الذين قتل الأمل في قلوبهم ودفعهم اليأس إلى إضرام النار في أجسادهم بعد ما اشتعلت في أعماقهم.

سامي السيفي أحد أبناء النهضة الذي أحرق نفسه هو ضحية الاستبداد والظلم والتندر، هو ضحية "بقداش كيلو النضال؟"، هو ضحية الكذب والاشاعات والافتراءات، هو ضحية الحقد الإيديولوجي، هو ضحية دولة البوليس والقمع والإرهاب، هو ضحية عدالة انتقالية عرجاء إن لم تكن وهمية، هو ضحية مجتمع كامل غاب فيه التضامن والتكافل وشاع فيه الحقد والكره..

سامي السيفي قضى في سجون بن علي 15 سنة عاش خلالها كل أشكال الظلم والتنكيل والقهر، وبعد الثورة عرف الإهمال ونكران الجميل ولم تنصفه العدالة الانتقالية.. صحيح أنه انتفض ضدّ حركته، ولكن بالنسبة إليه الحركة تمثل ركيزة من ركائز الدولة والدولة لم تنصفه وتنكرت له.

سامي السّيفي كان تلميذا في المعهد الفنّي بتونس، حشر في قضيّة باب سويقة وبرّأه القضاء ولكن هذه البراءة لم ترض سلطات الاستبداد الغاشم فلفّقت له قضيّة أخرى أودت به السّجن فعاش محرقة التسعينات وسجن ظلما مثله مثل المئات من الشبان وحرم من حقوقه لعقود.

جاءت الثورة، وفرح بها سامي السيفي كغيره من المقهورين، ورغم ذلك لم يراهن على العدالة الانتقاليّة لتنصفه ولم ينافس الضّحايا على جبر الضّرر، بل عمل في شركة أدوية ووقع تسريحه من عمله بشكل تعسّفيّ، فالتجأ إلى الحزب الذي سجن بسبب تهمة الانتماء إليه لينصفه ويتدخّل لدى المشغّل، ولكن كان الحلّ من قبيل المسكّنات حيث أوكلت إليه مهمّة هامشيّة في المقرّ المركزي للحزب بمقابل زهيد، ولم يطل به المقام ووقع تسريحه من عمله في مقرّ الحزب في إطار سياسة التقشّف واختارته يد الضّغط على الإنفاق ليكون هو ضحيّة هذا الخيار دون اعتبار لحاجته وفاقته وحاجة عائلته.

وبعد أكثر من 10 سنوات من اندلاع الثورة، لم يتغير وضع سامي السيفي الاجتماعي، ومن المؤكد أنه كان يستمع إلى الناس وهم يتحدثون عن الآلاف الذين أغرقت بهم النهضة الوظيفة العمومية فينظر إلى نفسه وإلى غيره ممن يعانون الخصاصة والبطالة، كان يستمع إلى الناس يتحدثون عن المليارات من التعويضات التي ذهبت إلى جيوب المنتفعين بالعفو التشريعي العام فينظر إلى جيوبه فيجد نفسه عاجزا عن تلبية حاجيات أبنائه.

عاش سامي السيفي مظلوما ومات مقهورا، عاش التمييز العنصري على أساس الانتماء بتلفيق الكذب والتشويه والادعاء بالباطل ما صنع فيه أكثر من محرقة اجتماعية، سياسية ومعنوية حتى وصل إلى الحرق المادي جراء هذا الظلم.

ولا ننسى أنه قبل 25 جويلية بأيام قليلة أقيمت القيامة على التعويضات وعلى تصريح رئيس مجلس شورى النهضة عبد الكريم الهاروني أمام المناضلين المعتصمين، وتلقفوا هذا التصريح واستغلوه في التحريض على النهضة وأبنائها، وشحنت النّفوس وحشّدت أنصار الانقلاب وأوقد لهيب الثّأر والانتقام بتوظيف مسألة التّعويضات والنّفخ فيها ما دفع بالبعض إلى حرق مقرات النهضة والاعتداء على مناضليها، وفي الحقيقة هذا التحريض لاحظناه منذ عقود ابتداء بعهد بورقيبة ثم بن علي مرورا بفترة ما بعد الثورة وصولا إلى زمن الانقلاب. واليوم صرنا نسمع أن النهضة تنكرت لأبنائها الذين هرسلوا وسجنوا وقمعوا من أجلها دون أي جبر ضرر، وبعد أن أحرق سامي السيفي نفسه اكتشفنا أنه لا أحد أخذ تعويضا، والأكيد أن هناك المئات إن لم نقل الآلاف من سامي السيفي في النهضة وفي تونس.

وفي الأخير أقول إن العنف والكره والحقد والشماتة هي نار ستحرق هذا البلد، ولذلك إذا رأيت المبتلي فاعلم أنه ليس بينك وبينه إلا رحمة ربك فلا تظهر الشماتة لأخيك فيرحمه ويبتليك.. ونسأل الله لسامي السيفي العفو والمغفرة والرّحمة.

galleries/diagolue-01-2.jpg

من الممكن أن يعجبك أيضاً