post

سعيّد والمليون و800 ألف مساند.. مهندس انقلاب الفوتوشوب يغالط الرأي العام

تونس الثلاثاء 05 أكتوبر 2021

مرآة تونس – جليلة فرج

"اكذب، اكذب، ثم اكذب حتى يصدقك الناس"، هذه المقولة الشهيرة لمهندس ماكينة الدعاية الألمانية لمصلحة النازية وأدولف هتلر الألماني جوزيف جوبلز الذي انتحر في 1 ماي 1945، ولا يزال هذا الشعار يحمله من يظنّ أنّه أذكى من الجميع فيروّج ما يتمنّى حصوله، ولكن في كل الحالات النتيجة واحدة وهي مغالطة الرأي العام الداخلي والخارجي.

الرئيس قيس سعيّد يقول إن "عدد اللذين خرجوا في مظاهرات يوم الأحد 3 أكتوبر يفوق 1.8 مليون شخص"، ورئيسة الحكومة المهندسة والتي تفهم جيّدا علم الرياضيات والمنطق، تعلّق على المليون و800 ألف متظاهر بـ"ما شاء الله". علما وأنّ أغلب وسائل الإعلام الدولية قدّرت مجموع عدد المتظاهرين في تونس العاصمة وبقية الولايات بين 3000 و5000 شخص لا غير.

فهل خدعه المحيطون به وكذبوا عليه وصدّقهم؟ أم هل هو واهم يرى الأماني واقعا تحقّق؟ أم هو واع بالحقائق ويريد إيهام الشعب والعالم بعكسها؟

نعرف أن الرئيس لديه مشكل مع الأرقام ونعلم أن لا فرق عنده بين الدولار والأورو ولا بين المليون والمليار ولا بين الطن والبارة..، وظهر مؤخرا أنه لا يفرق أيضا بين الألف والمليون وأنه فقط يفهم في الصوردي المنقوب.

مظاهرات عبر التاريخ

مظاهرات عدّة غيّرت من تاريخ تونس وأثّرت فيه اجتمعت أغلبها في الخروج العفوي ضدّ الظلم وكان أبطالها أشخاصا عاديين تذوّقوا القهر والألم، حيث عاشت تونس عبر العصور مظاهرات ووقفات احتجاجية وثقها التاريخ على غرار وقفة استقبال الجماهير الشيخ عبد العزيز الثعالبي في الشوارع والالتفاف حوله والتي حضرها قرابة 70 ألف شخص.

ولا ننسى وقفة مساندة بورقيبة في جوان 1955 عند عودته لأرض الوطن والتي حضرها عشرات الآلاف، أو من خرجوا في الخميس الأسود 26 جانفي 1978 والتي يعدّون بالآلاف، وأيضا في أحداث الخبز في 03 جانفي 1984 عندما بلغت الاحتجاجات أوجها في العاصمة، أو في الحراك الثوري 17 ديسمبر 2010 - 14 جانفي 2011، ومن شارك في شارع بورقيبة يوم فرار بن علي. ثم غداة الثورة التونسية في القصبة 1 و2، تلك الملحمة الأكثر تعبئة وزخما شعبيا والتي جمعت كل أطياف المجتمع التونسي من أجل إسقاط بقايا نظام الديكتاتوري وحكومة محمد الغنوشي، وتجمّع في 26 فيفري 2011 في القصبة يوم موعد الغضب أكثر من مائة ألف.

وكانت بعد الثورة حرب شارع خفية جمعت عشرات الآلاف في إحصائيات دقيقة وأكثرها زخما كانت في اعتصام الرحيل في باردو واجتماع حركة النهضة في ذات ليلة رمضان 2013 في القصبة، ثم بعد 6 فيفري 2013 تاريخ مقتل شكري بالعيد حين حضرت جماهير غفيرة غصّت بيها مقبرة الزلاج، وكذلك في 27 فيفري 2021 المظاهرة التي دعت لها حركة النهضة في شارع محمد الخامس لدعم الديمقراطية والتي تقول الإحصائيات إنها تجاوزت المائة ألف.

طاقة استيعاب شارع الثورة

الأكيد أن أكبر مظاهرة شهدها شارع الحبيب بورقيبة كانت خلال الثورة التونسية يوم 14 جانفي 2011، والتي كان لها الدور الأكبر في هروب الرئيس بن علي بعد أن هدّد المتظاهرون بالتوجّه إلى القصر الرئاسي، والتي حضرها الآلاف من المواطنين فما بالك بمظاهرة لم تغطي إلا جزء صغير من الشارع الكبير أمام المسرح البلدي والمنطقة المحيطة به وهي لا تمثّل الثلث مقارنة بحجم وطول الشارع وقدّرت بالمليون و800 ألف حسب رئيسنا.

شارع الحبيب بورقيبة طولا وعرضا لا يمكن علميا وتقنيا وحسابيا أن يضمّ أكثر من 50 ألف شخص في أقصى الحالات، وأمام المسرح البلدي مستحيل أو من الغباء أن نقول إنه يضم مليون و800 ألف شخص.

وتفيد إحصائيات 2020 أن عدد سكّان تونس الكبرى أي الولايات الأربعة تونس وأريانة وبن عروس ومنوبة لا يتجاوز 2 مليون و800 ألف شخص، وليس من المعقول أنّ شارعا واحدا هو شارع الحبيب بورقيبة يمكن أن يتّسع عددا من الأشخاص يساوي ثلثي سكّان إقليم تونس.

ولنصدق رئيسنا ونتخيّل الحجم الشعبي لمليون و800 ألف شخص، فهو يساوي حوالي 30 مرّة حجم جمهور ملعب كرة القدم برادس في امتلائه الأقصى. ويمكن مقارنة صور الجماهير في مقابلة نهائي كأس إفريقيا في 2004 بملعب رادس بصور مظاهرة 03 أكتوبر الجاري لنفهم بكل يسر مغالطة الرئيس للرأي العام.

وعلى قول الخبير في الإحصاء معز الهمامي "كان يتظاهروا 1,8 مليون شخص لازمهم 300 ألف متر مربع، أي ما يعادل، 30 هكتار، 42 ملعب كرة قدم، 130 مسبح أولمبي''.

الفوتوشوب لعب دوره

ذكر موقع "TV5 MONDE" أنّ أنصار الرئيس سعيّد بلغ عددهم حوالي 3000 متظاهر بالعاصمة تونس، وألف متظاهر بسوسة، ومثلهم بصفاقس، والمئات في تطاوين، والعشرات في القيروان وقابس ومدن أخرى، وقدّرت العدد الإجمالي بـ5000 متظاهر. وأكّدت جريدة "لوفيغارو" الفرنسية أنّ عدد المتظاهرين بتونس العاصمة بلغ 2500. وقدّرت وكالة تونس إفريقيا للأنباء الوكالة الرسمية عدد المتظاهرين بـ8000 آلاف شخص. من جهتها ذكرت وكالة "رويترز" للأنباء بأنّ عدد المتظاهرين في تونس بلغ 8000 شخص.

ورغم كل هذه الأرقام لوسائل إعلام عالمية ومساندة في أغلبها للرئيس سعيّد، إلا أن هذا الأخير زيّف الأرقام الحقيقية وصار يتحدث عن أرقام خيالية، ما جعل وكالة "رويترز" علّقت على تصريحات سعيّد واستغربت الرقم الذي قدّمه وأعادت شرح أرقامها وذكّرت بأنّ عدد سكان تونس برمّته يبلغ قرابة 12 مليون نسمة، منهم حوالي 1.5 مليون مهاجر خارج تونس.

وفي الحقيقة أنّ رقم مليون و800 ألف متظاهر هو رقم أصدرته بعض الصفحات المساندة لسعيّد عبر صورة فوتوشوب حرّفت خبرا صدر على موقع "TV5 MONDE" وتضمّن عنوانا يقول: "تونس: استعراض للقوّة لـ5000 من أنصار قيس سعيّد".. وجعلت تلك الصفحات الخبر الزائف يعرض رقم مليون و800 ألف.

وكالعادة تساند حركة الشعب الرئيس سعيّد مساندة مطلقة سواء كان محقا أو لا، فها هو الأمين العام لحركة الشعب زهير المغزاوي يسرق صورة لحراك 26 سبتمبر المناهض للانقلاب وينشره على أساس مظاهرة لمساندي سعيّد. وأخذت بعض المواقع الموالية لسعيد صورة لمظاهرة حركة النهضة في فيفري 2013 وفيها شاشة كبيرة في شارع بورقيبة وسوقتها على أساس تظاهرة يوم 3 أكتوبر التي لم تكن فيها شاشة.

وعملية الفوتوشوب هذه تذكرنا بأحداث 30 جوان 2013 في ميدان التحرير في مصر حينما تمّ تسويق الكذبة الأكبر في مصر بزعم نظام السيسي وإعلامه خروج 30 مليون متظاهر بميدان التحرير وسط القاهرة، وهو ما جعل السيسي ينقلب على الرئيس المنتخب وعلى البرلمان، في حين تمّ إثبات بالدليل القاطع أنّ ميدان التحرير لا يمكن أن يسمح من حيث المساحة وبالحساب العلميّ والقياس باستيعاب أكثر من مليون متظاهر هو وكلّ الشوارع المحيطة به.

وهذا الفوتوشوب والتزييف للحقائق والأرقام، يدل على أن الرئيس قلق ومتخوّف من الشارع والزخم الشعبي المعارض له والذي يشهد تصاعدا غير مسبوق يوما بعد يوم، ويوضح أيضا أن الرئيس يعتمد كثيرا في معلوماته على صفحات الفايسبوك الشعبويّة المسوّقة له والتي تبثّ الأخبار الزائفة والمبالغ فيها، وكذلك يعتمد على كلام المقاهي ما جعله يقدّم أرقاما ومعطيات مغلوطة.

ورغم هذه الأخطاء الجسيمة ومغالطة الرأي العام في العديد من المرّات، لازال سعيّد يدعو للتعبئة والتفرقة وتقسيم التونسيين ويصف من يخرجوا ضدّه بالحشرات ولكن مسانديه طبعا فهم الصادقون الأمناء.

فأي كارثة أخرى سيحملنا إليها سعيد؟ وهل يريد فعلا حرب الشوارع وبالتالي حرب أهلية؟ وهل سيتم تقسيمنا إلى مواطنين صالحين يتميّزون بالنظافة والطهورية مقابل الحشرات والفاسدين والقمامة ومجاري الصرف الصحي؟

 

galleries/website-size-01-2.png

من الممكن أن يعجبك أيضاً