post

سيادة الرئيس.. هل لازلت على العهد بأن التطبيع خيانة عظمى أم مجرّد بضاعة انتخابية!؟

تونس الجمعة 01 أكتوبر 2021

مرآة تونس – جليلة فرج

"التطبيع خيانة عظمى".. كلمات دغدغت المشاعر وسحرت الرأي العام التونسي والعربي وأعادت الروح لقضية الأمّة وأعطت جرعة أمل لأجيال متأثرة بالنضال من أجل المساواة والعدالة وأحيت في القلوب من جديد هذه القضية التي أصابها الجمود الدبلوماسي منذ عدّة سنوات.

ولكن وبعد مرور أكثر من سنتين على هذا الشعار الذي صدع به آذاننا قولا لا فعلا، واكتشفنا أنه شعار انتخابي زائف وليس إلاّ "خديعة عظمى"، ها هو التطبيع يدخل من باب جامعتنا التونسية حيث تفاجأ طلبة المعهد العالي للغات بتونس بوجود علم إسرائيل ضمن بقيّة أعلام البلدان في المعلّقة الرسمية لتظاهرة "ترجمة ومترجمون" التي نظمها المعهد.

وأكد ممثل الطلبة بالمعهد عن الاتحاد العام التونسي للطلبة فادي أولاد عمر في تصريحه صحفي أنّ علم الكيان الصهيوني في معلّقة لتظاهرة رسمية كان خطأ يقتضي بيانا توضيحيا في الغرض وأن يقع التأكيد على ذلك في العلن. وأفاد بأنّ طلبة المعهد العالي للغات نفّذوا وقفة احتجاجية على خلفية ما وصفه بـ"السابقة الخطيرة من نوعها داخل الجامعة التونسية"، وقال: "الأستاذ المعني بالأمر قال إنّ الأمر خطأ، في حين رفضت المديرة التحدّث إلينا من الأساس".

اليوم ونحن نتحدّث عن هذه الحادثة داخل الجامعة التونسية، يصادف ذكرى غارة غرّة أكتوبر 1985، هذا التاريخ الذي لا يُمحى من الذاكرة الشعبية على الدوام.

ففي مثل هذا اليوم، كُتب حدث تونسي عربي، وطُرز بدماء الشهداء عندما نُفذ أعنف قصف جوّي في تاريخ تونس حيث قامت قوّات الاحتلال الصهيونيّة بقصف مدينة حمام الشط في محاولة للقضاء على قيادات منظمة التحرير الفلسطينيّة.

وأدّت هذه العملية "عمليّة الساق الخشبية" حسب التقرير الرسمي للسلطات التونسيّة آنذاك إلى استشهاد 50 فلسطينيا و18 مواطنا تونسيا وجرح 100 شخص من فلسطينيين وتونسيين، إضافة إلى الخسائر المادية الفادحة.

وبعد 36 سنة من امتزاج الدم الفلسطيني بالدم التونسي، وبدل أن تطالب الدولة التونسية بالحصول على حقّها في الاعتذار من دولة الاحتلال وعلى تعويضات عن الخسائر التي سببتها الغارة على حمام الشط، وتحقيق العدالة بحق القتلة، وتقديم تعويض لضحايا العدوان الذي أدانه العالم العربي والعالم كلّه، نجد صاحب مقولة "التطبيع خيانة عظمى" عندما كان أستاذا مساعدا في الجامعة التونسية، يريد اليوم وهو رئيس للجمهورية أن يرسخ في الأذهان أن "مقاطعة التطبيع خيانة عظمى".

الوجه العملي لمسألة التطبيع مع إسرائيل تجلّى في كثير من المرّات آخرها ظهور علم إسرائيل في معلّقة لتظاهرة رسمية في إحدى الجامعات التونسية الأمر الذي أثار استياء طلبة المعهد.

صحيح أن التطبيع لم يظهر بشكل مباشر على المستوى الرسمي ولكن في كلّ مرّة هناك محاولات على مستوى بعض مؤسسات الدولة وعلى مستوى المجتمع المدني وعلى المستوى الثقافي والإعلامي والرياضي.

وعرفت مواقف سعيّد تغييرات، من مترشح للرئاسة إلى رئيس للجمهورية، وعكست الهوّة العميقة التي تفصل الشعارات عن الواقع أو ربما هي في الأصل مجرّد بضاعة انتخابية لأستاذ مساعد عرف كيف يخدع الملايين الذين خاب أملهم وتوقعاتهم.

فعندما نجد صورة تجمع بين رئيس الاتحاد الإسرائيلي للتنس عضو اللجنة الأولمبية يوني ياروم، ورئيسة الاتحاد التونسي للتنس سلمى المولهي، في إطار بطولة التنس للسيدات في دورة هلسنكي بفنلندا، فإننا نفهم أن هذه الصورة التذكارية كانت رسالة مضمونة الوصول من اللوبي الصهيوني في العالم لحاكم قرطاج الذي التقط الإشارة وغيّر المواقف والاتجاهات.

وعندما يزور صاحب مقولة "التطبيع خيانة عظمى" في أفريل 2021 قبر الرئيس المصري أنور السادات الذي كان أوّل رئيس عربي طبّع مع إسرائيل وأبرم معها اتفاقية سلام وعقد معها علاقات ديبلوماسيّة، وقاطعته بسبب التطبيع مع إسرائيل جميع الدول العربية لما اعتبروه خيانة للقضية الفلسطينية، وقطعوا العلاقات مع مصر، فإننا نفهم من رسالته بأنّ شعاره "التطبيع خيانة عظمى" لا يعكس فكرا حقيقيّا بل هو شعار زائف وبضاعة انتخابية لا غير.

وعندما يقول صاحب مقولة "التطبيع خيانة عظمى": "إننا لا نتدخل في اختيارات بعض الدول، ولا نتعرّض لها، ونحن نحترم إرادة الدول، فهي حرّة في اختياراتها وأمام شعوبها"، في إشارة لموقفه من تطبيع دولة الإمارات لعلاقاتها مع الكيان الصهيوني، نتأكد بأن التطبيع الذي كان بالنسبة إلى المترشح للرئاسية "خيانة عظمى"، أصبح "وجهة نظر" بالنسبة إلى رئيس الجمهورية.

وعندما تحتفظ تونس في سبتمبر 2020، بصوتها معلنة عدم تأييد أو رفض طرح مشروع القرار الفلسطيني الذي يدين الاتفاق التطبيعي بين الإمارات وإسرائيل برعاية الولايات المتحدة، ما دفع الفلسطينيين لسحبه، فإننا نتأكد بأن تونس قد ارتكبت "خيانة عظمى".

وعندما يوقّع رئيس الجمهورية في جويلية 2020، أمرا رئاسيا يقضي بمنح 135 شخصا الجنسية التونسية، بينهم 34 فلسطينيا، ويستثني أرملة الشهيد محمد الزواري (الذي اغتاله الموساد الإسرائيلي في شهر ديسمبر 2016)، فإن علامات الاستفهام تزداد لدينا.

وعندما تتم إقالة مندوب تونس لدى الأمم المتحدة بنيويورك منصف البعتي بشكل مفاجئ، في فيفري 2020، في وقت كان مجلس الأمن يستعد للتصويت على مشروع قرار يدين إعلان الرئيس الأميركي عن خطته للسلام في الشرق الأوسط والمعروفة بـ"صفقة القرن"، فإننا نتأكد مما جاء في صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" الإسرائيلية حيث قالت إن الرئيس التونسي استبعد البعتي لأنه "يخشى أن يضرّ دعم السفير للفلسطينيين بالعلاقات مع الولايات المتحدة".

وعندما يرفض صاحب مقولة "التطبيع خيانة عظمى" استقبال الناطق الرسمي باسم حركة حماس الدكتور سامي أبو زهري بتعلّة عدم إيجاد الوقت لاستقبال الوفد بالرغم من توجيه وفد حماس طلبا مسبقا للقاء الرئيس سعيّد إلا أن الرئاسة رفضت وتعلّلت بالانشغال، فإننا نقول فعلا التطبيع خيانة عظمى والمطبّع خائن.

ولأن "القنبلة النووية" التي تملكها تونس وتخشاها إسرائيل هي الديمقراطية، فقد حقّق سعيّد الحلم الإسرائيلي بمحاولة إجهاض المسار الديمقراطي الأول في العالم العربي، وذلك بانقلابه على الديمقراطية وعلى دستور الثورة وعلى مؤسسات الدولة.

ولأن التاريخ تكتبه الشعوب.. مبروك لشعب "الويييو" (على حدّ تعبير ابن عمّ رئيسة الحكومة نجلاء بودن) الذي رضخ لمهندس الانقلاب "الظاهرة الكلامية" الذي يقول ويفعل عكس ما يقول، وسمح له بأن يغيّر شعار "التطبيع خيانة عظمى" بشعار "مقاطعة التطبيع خيانة عظمى" بأسلوب تخديري ناعم.

 

galleries/ساد-الرس-هل-لازلت-عل-العهد-بن-التطبع-خان-عظم-م-مجرد-بضاع-انتخاب-01.png

من الممكن أن يعجبك أيضاً