post

ضغط شعبي متواصل في ليبيا.. دعوة أممية لضبط النفس وتجنب العنف وواشنطن تدعو للانتخابات

المغرب العربي الأحد 03 جويلية 2022

يتواصل الضغط الشعبي في ليبيا، بعد تردي الأوضاع المعيشية، وفشل الأجسام السياسية في تسوية الخلافات بينها رغم جولات مكوكية جرت مؤخرا في كل من القاهرة وجنيف لتقريب وجهات النظر، وصولا إلى إجراء انتخابات كحل يرجو الليبيون أن يفضي إلى استقرار في بلد يشهد اضرابات سياسية وأمنية.

ووجد القادة الليبيّون أنفسهم تحت وطأة ضغط متنامٍ من الشارع غداة تظاهرات في أنحاء البلاد بسبب انقطاع التيّار الكهربائي المزمن في منتصف موجة الحرّ، وذلك في وقتٍ لم يتمكّنوا من تسوية خلافاتهم السياسيّة.

وبدا السبت أنّ الهدوء عاد إلى طبرق في أقصى شرق البلاد حيث اقتحم متظاهرون الجمعة مقرّ البرلمان مستخدمين جرّافة، قبل أن يُضرموا النار في المكان احتجاجًا على تدهور ظروف الحياة وإهمال قادتهم، لكنّ دعوات على الإنترنت صدرت للمشاركة في تحرّكات احتجاجية جديدة. وعبّر المتظاهرون عن غضبهم من إهمال المسؤولين وتدهور الظروف المعيشيّة في بلاد تملك أكبر احتياطات نفطيّة في إفريقيا.

ويُعدّ برلمان طبرق أحد رموز الانقسام في ليبيا، بين معسكر برقة (شرق) بقيادة خليفة حفتر، وحكومة مقرّها طرابلس (غرب) يرأسها منذ العام 2021 عبد الحميد الدبيبة. ويدعم معسكر حفتر حكومة موازية تشكّلت في مارس الماضي. ويُغلق مناصروه منذ أواسط أفريل المنشآت النفطيّة الرئيسة، للضغط من أجل الإطاحة بحكومة طرابلس.

مطالب وتصعيد

وتأتي هذه المطالب عقب تأكيد المحتجين الليبيين أمس السبت أنهم سيواصلون التظاهر إلى أن تتنحى جميع النخب الحاكمة عن السلطة. وقالت حركة الاحتجاج إنها ستصعد حملتها ابتداء من اليوم الأحد، ودعت المتظاهرين إلى نصب خيام في الميادين بالمدن وإعلان العصيان المدني، إلى أن يتحقق هدفهم المتمثل في إسقاط المؤسسات السياسية وإجراء انتخابات جديدة.

وقال تيار "بالتريس" الشبابي -الذي يركز في الأغلب نشاطه عبر الإنترنت على الظروف المعيشية وكان وراء دعوات للاحتجاج عام 2020 عبر مواقع التواصل الاجتماعي- "نؤكد عزمنا على مواصلة التظاهر السلمي حتى آخر رمق إلى حين تحقيق الأهداف". وأضاف التيار أنه سيحتل الشوارع والميادين حتى "يعلنوا استقالتهم أمام العلن"، في إشارة إلى جميع الكيانات السياسية الحاكمة.

تجدّد الاحتجاجات

وتجددت الليلة الماضية الاحتجاجات الشعبية التي كانت انطلقت الجمعة في مناطق متفرقة من ليبيا. ونزل الآلاف الجمعة إلى الطُرق، من مهد ثورة العام 2011 في بنغازي (شرق)، إلى العاصمة طرابلس في الغرب، مرورًا بمدينتَي طبرق والبيضاء الشرقيّتين.

ونشرت مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو لمجموعة شباب اعتصموا أمام مقر المجلس الرئاسي في منطقة النوفليين بطرابلس وهم يحملون لافتات تطالبه بالرحيل أيضا، مع كل الأجسام السياسية الحالية.

وكان متظاهرون طالبوا المجلس الرئاسي بإعلان حالة الطوارئ وحل مجلسي الدولة والنواب مع الحكومتين، وتسلم زمام الأمور، وقيادة البلاد مع المجلس الأعلى للقضاء إلى الانتخابات.

وفي تلك الأثناء، تحركت مجموعات شبابية في أنحاء متفرقة من طرابلس وقاموا بإشعال الإطارات في الطرقات، تعبيرا عن رفضهم لاستمرار الأجسام السياسية الحالية، وطالبوا بتوفير الكهرباء.

وتجددت احتجاجات مماثلة في مدينة زليتن شرقي طرابلس، حيث خرجت مجموعة من الشباب للطريق الساحلي منددين بسوء الوضع المعيشي والخدمات، وطالبوا برحيل الحكومتين والمجلس الرئاسي ومجلسي النواب والدولة.

وفي مصراتة خرجت مظاهرة كبيرة جابت شوارع المدينة، وطالبت الهتافات والشعارات فيها برحيل الأجسام السياسية.

وفي منطقة جودايم أغلق المحتجون طريق طرابلس-الزاوية، أما في منطقة ورشفانة المحيطة بطرابلس غربا وجنوبا فقد أغلق المتظاهرون طرقا عدة، وطالبوا في بيان لهم بمنع ترشح المسؤولين الحاليين في الانتخابات القادمة، وكذلك مزدوجي الجنسية، وأكدوا استمرار المظاهرات ولوحوا بالعصيان المدني.

وفي سبها جنوبًا، أحرق متظاهرون مبنى رسميًا، وفق مشاهد بثّتها وسائل إعلام. وردّد المتظاهرون هتافات "نريد الكهرباء"، في إشارة إلى انقطاع التيّار الذي يستمرّ 12 ساعة يوميًا أو حتّى 18 ساعة في الأيّام الشديدة الحرارة. وإضافة إلى انقطاع الكهرباء، يعيش الليبيّون على إيقاع نقص في السيولة والوقود، بينما يشهد قطاع الخدمات تدهورًا والبنى التحتية سيّئة.

لقاء رئيس المجلس الرئاسي

وفي الأثناء، أعلن "حراك بالتريس الشبابي"، الذي دعا للاحتجاجات، الجمعة، أنّ عدداً من أعضائه التقوا رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي ونائبيه، صباح السبت، في طرابلس، وأكدوا أنّ أعضاء المجلس "لا يملكون أدوات لفرض واقع جديد".

وحول نتائج اللقاء، قال الحراك: "كلام أعضاء المجلس غير مقنع، وفيه ضعف وتناقض وتعارض وتسويف"، وأضاف: "قررنا (...) تجاوز المجلس الرئاسي بالكامل، وتصعيد سقف المطالب والاستمرار في التحشيد الشبابي واستمرار الخروج والتظاهر في كامل مدن وشوارع ليبيا الحبيبة".

الدبيبة يساند المتظاهرين

من جهته، قال الدبيبة على تويتر "أضمّ صوتي للمواطنين في عموم البلاد. على جميع الأجسام الرحيل بما فيها الحكومة، ولا سبيل لذلك إلا عبر الانتخابات. والأطراف المعرقلة للانتخابات يعلمها الشعب الليبي".

واعتبر سفير الاتّحاد الأوروبّي في ليبيا جوزيه ساباتيل أنّ التظاهرات "تؤكّد أنّ الناس يريدون التغيير عبر الانتخابات، وأصواتهم يجب أن تُسمع".

بيان لقيادة حفتر

وعقب انتشار مقاطع مرئية تظهر أرتالاً مسلحة تابعة لمليشيات حفتر وهي في طريقها إلى مدينة طبرق لمنع تجمهر المحتجين فيها، مساء السبت، نقلت وسائل إعلام مقربة من حفتر بياناً لقيادته العامة، تلاه الناطق الرسمي باسم قيادة حفتر، أحمد المسماري، أكد فيه وقوف حفتر مع المحتجين في مطالبهم.

وقال المسماري إن قيادة حفتر "تقف وقوفاً تاماً مع الإرادة الشعبية وتأييدها لمطالب المواطنين"، وأكد دعمها لمطالب الشعب "المشروعة في ظل تفاقم الأزمة الليبية وانغلاق الأفق وتدني المستوى الخدمي والمعيشي للمواطن".

وأشار المسماري إلى أن قيادة حفتر عازمة على "اتخاذ الإجراءات الواجبة لصيانة استقلال القرار الليبي إذا ما حاول أي طرف الانفراد به تماشياً مع أي إرادة خارجية تسعى لفرض مشاريعها وقرارها على الليبيين"، دون توضيح لطبيعة هذه الإجراءات.

وعقب بيان قيادة حفتر، ظهر محتجون في مدينة مصراته، وهم يحرقون صور حفتر، وسط هتافات ترفض "حكم العسكر"، واستغلال حفتر لـ"الحراك الشعبي".

دعوة لاستمرار الانقسام

وفي أول ظهور له بعد حرق مئات المحتجين في طبرق لمقر مجلس النواب، اعتبر رئيس مجلس النواب عقيلة صالح أن الحادث "قد يكون مدبراً لإسقاط السلطة التشريعية"، وأرجح أن يكون "أنصار النظام السابق وراء الحادثة".

ورغم اعتراف صالح بـ"حجم المعاناة التي يعانيها الليبيون"، إلا أنه أكد أن المحتجين "زحفوا إلى مقر البرلمان دون مطالب محددة" بحسب تصريحه لإحدى الفضائيات العربية ليل السبت، دون أن يتحدث عن مصير مجلس النواب، وما إذا كان سيستمر في عقد جلساته.

وأوضح صالح، أن الخلاف بين مجلسي النواب و"الأعلى للدولة" يتعلق بترشح مزدوجي الجنسية والعسكريين، بينما رفض "تدخل" السفير الأمريكي في الشأن الليبي.

وقال صالح: "لن نمنع أي ليبي من المشاركة في الإنتخابات"، وتابع: "ولم أغير اتفاقي مع (رئيس المجلس الأعلى للدولة) خالد المشري"، وأوضح أن "أكثر من 20 شخصا يحملون جنسية مزدوجة تقدموا لانتخابات الرئاسة".

واستدرك قائلا: "لا إقصاء لأحد، ويجب أن نسمح للجميع بالترشح، والليبيون سيقررون لمن سيصوتون"، وأكد رفض "تدخل" سفير الولايات المتحدة ومبعوثها إلى ليبيا، ريتشارد نورلاند، في الشأن الليبي، وأوضح أن مقترحه بشأن الانتخابات "دعوة لاستمرار الانقسام".

وأكد عقيلة ضرورة عرض القاعدة الدستورية للإنتخابات للإستفتاء الشعبي، وقال: "كان هناك خلاف حول ثمانية مواد بشأن الدستور، واقترحت أن يستفتى الليبيون فيها"، وشدد على ضرورة عدم تدخل أي سلطة تنفيذية في عمل المفوضية الوطنية العليا للإنتخابات.

دعوة أممية لضبط النفس وتجنب العنف

ودعا المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، قوات الأمن الليبية إلى ممارسة أقصى درجات ضبط النفس، كما دعا المتظاهرين إلى تجنب العنف، وذلك عقب تجدد الاحتجاجات الشعبية بمناطق عدة في ليبيا بسبب تدهور ظروف المعيشة وغياب تسوية سياسية في الأفق.

وعبّر دوجاريك عن دعمه لحق التظاهر السلمي، وأشار إلى أن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش يتابع بقلق المظاهرات التي اندلعت بمدن ليبية عدة.

وحث المسؤول الأممي كل الأطراف على العمل للتغلب على الجمود السياسي الذي يعمق الانقسامات، داعيا كل الأطراف في ليبيا إلى الامتناع عن أي أعمال قد تقوض الاستقرار.

بدورها، أكدت واشنطن، السبت، ضرورة التهدئة خلال هذه المرحلة في ليبيا، والوصول إلى الانتخابات لتجاوز الانسداد السياسي. وكتب السفير الأميركي لدى ليبيا ريتشارد نورلاند على تويتر "واضح أنّه لا يوجد كيان سياسي واحد يتمتّع بالسيطرة المشروعة في جميع أنحاء البلاد. وأيّ جهد لفرض حلّ أحاديّ سيؤدّي إلى العنف. الحوار والتسوية بين الفاعلين الرئيسيّين وحدهما سيُحدّدان معالم الطريق للانتخابات والاستقرار السياسي".

ووصفت مبعوثة الأمم المتحدة إلى ليبيا ستيفاني وليامز، التي ترعى عمليّة سياسيّة متعثّرة، تخريب البرلمان بأنّه "غير مقبول"، ودعت جميع الأطراف إلى "ضبط النفس".

وقالت في تغريدة على "تويتر"، "ينبغي احترام حقّ الشعب في الاحتجاج السلمي وحمايته، لكنّ أعمال الشغب والتخريب كاقتحام مقرّ مجلس النواب في وقت متأخّر يوم الجمعة، في طبرق غير مقبولة على الإطلاق". وشدّدت على الضرورة الملحّة "لحفظ الهدوء وتعامل القيادة الليبيّة بمسؤوليّة مع الاحتجاجات، وممارسة الجميع ضبط النفس".

من جهته، اعتبر سفير الاتحاد الأوروبي في ليبيا خوسيه ساباديل أن المظاهرات "تؤكد أن الناس يريدون التغيير عبر الانتخابات، وأصواتهم يجب أن تُسمع".

أزمات وتعطل

وكانت المؤسسة الوطنية للنفط أعلنت الخميس أن إغلاق المنشآت النفطية يؤدي إلى تراجع إنتاج الغاز الذي يعد ضروريا لتزويد شبكة الكهرباء. وإضافة إلى انقطاع الكهرباء، يعيش الليبيون على إيقاع نقص في السيولة والوقود، بينما يشهد قطاع الخدمات والبنى التحتية تدهورا. وشهدت البلاد في 11 عاما تأليف عشرات الحكومات، وحربين أهليتين، ولم تتوصل إلى تنظيم انتخابات رئاسية.

inbound8692496935585349241.jpg

من الممكن أن يعجبك أيضاً