post

في ذكرى سقوط غرناطة .. قصّة ولا غالب إلّا الله

لايف ستايل الأحد 02 جانفي 2022

أربعة قرون كاملة، انطلقت بانهيار طليطلة، سنة 1085 م، وانتهت بسقوط غرناطة، سنة 1492 م، آخر معاقل المسلمين الأندلسية التي صمدت وحيدة أمام الحملات العسكرية المتتالية التي أنهكت المدينة. فأمام تقدّم قشتالة من الشمال وأراغون من الشرق والبرتغال من الغرب، استطاعت مملكة غرناطة الأندلسية لوحدها الصمود لمدة تقارب قرنين ونصف منذ سقوط قرطبة، وذلك بعد أن تحوّلت إلى مملكة تابعة لقشتالة. إذ لم يكن يسيرا على الإسبان إنهاء الحكم الإسلامي في المنطقة، حتى بعد انهيار الدولة الأموية وظهور ملوك الطوائف في الأندلس التي انقسمت إلى 22 دويلة اتسمت أغلبها بالضعف والتناحر فيما بينها، حتى سقطت الأندلس بعد حكم دام ثمانية قرون. 


اليوم، وبعد مرور 530 سنة على سقوط غرناطة، يقف زوّار المدينة أمام أحد أبرز معالمها، قصر الحمراء الشّهير، الّذي شَيَّده مؤسس دولة بني الأحمر، الغالب بالله أبي عبد الله بن نصر بن الأحمر. قصر الحمراء الّذي قال فيه الشّاعر السّوري نزار قبّاني: 
"الزخـرفات.. أكاد أسمع نبـضها    
والزركشات على السقوف تنادي 
قالت: هنا "الحمراء" زهو جدودنا    
فاقـرأ على جـدرانها أمجـادي أمجادها؟ 
ومسحت جرحاً نـازفاً    
ومسحت جرحاً ثانيـاً بفـؤادي 
يا ليت وارثتي الجمـيلة أدركـت    
أن الـذين عـنتـهم أجـدادي 
عانـقت فيهـا عنـدما ودعتها    
رجلاً يسمـى طـارق بن زياد" 


وعلى جدران الحمراء، يبصر زوّار القصر في جميع أرجائه عبارة منقوشة لا تخطئها العين، تعبق تاريخا وعزّة وأصالة، مفادها أنّه "ولا غالب إلّا الله"، فقد كان الشعار الرسمي لمملكة غرناطة ولحاكميها من بني نصر أو بني الأحمر الذين ينتهي نسبهم إلى الصحابي الجليل سعد بن عبادة الأنصاري. 
تختلف الرّوايات التاريخية عن السر وراء هذا الشّعار، فيُقال إنّ قِصة هذا الشعار هو أن قائد بني الأحمر قد أُجبر على خوض حربٍ مع القشتاليين ضد إشبيليا ليكون بهذا قد شارك بسقوط آخر معقل من معاقل المسلمين في الأندلس سنة 1248 م. إذ أصبحت غرناطة تدفع جزية إلى قشتالة إضافة إلى تقديم المساعدة العسكرية لاحتلال ما تبقى من الممالك الأندلسية، وذلك بعد المعاهدة التي وقعها ابن الأحمر مع فرناندو الثالث ملك قشتالة. فاستسلمت إشبيليا للقشتاليين بدعم من ابن الأحمر، أمير غرناطة النصري، بعد حصار دام سبعة عشر شهرا. وعندما رجع إلى قومه، استقبلوه استقبال المنتصر الفاتح مهللين مردّدين هتافات "الغالب.. الغالب!"، ولكنه من شدة حزنه بما حلّ بهم ولقلّة حيلته كان يجيب قائلا: "ولا غالب إلا الله". وحسب هذه الرّواية، فقد ظلّ هذا الذنب يتربّص به فطلب تزيين الحمراء بعبارة "ولا غالب إلا الله" ليبصرها في كل زاوية من زوايا القصر، ولجعلها عبرة للأجيال اللاحقة. 


بينما هناك رواية مغايرة مفادها أنّ سبب وجود هذه العبارة كنقش رئيسي في تلك الفترة، ليس فقط في قصر الحمراء بل في الكثير من عمائر مدينة غرناطة، هو معرفة أهل الأندلس بأن دولتهم قد هزمت وأنّها ستنتهي عاجلا وسيتم طردهم منها على يد الإسبان، فاتّخذوا من "ولا غالب إلا الله" شعارا لهم، إيمانا منهم بأنّ الاعتزاز لا يكون بغير الله وبأنّ "الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا". 

 

galleries/ف-ذكر-سقوط-غرناط-قص-ولا-غالب-لا-الله.jpg

من الممكن أن يعجبك أيضاً