post

كتاب الفتنة: جدلية الدين والسياسة في الإسلام المبكر لهشام جعيط

ثقافة وفن الجمعة 15 أفريل 2022

ارتبط اسم المفكر التونسي، هشام جعيط، بالغوص في أغوار التاريخ العربي الإسلامي، لاسيما في مراحله المبكرة، إذ يرى أنّ المرحلة الأولى من تاريخ الإسلام لعبت دورا حاسما في التحولات التي ستعرفها البلاد الإسلامية فيما بعد. كما أنها ساهمت إلى حد كبير في تشكيل تصور العرب والمسلمين لدينهم، خاصة في بعديه الاجتماعي والسياسي.

صدرت لجعيط عدّة مؤلفات طالما كانت محل جدل، ومن بينها كتاب "الفتنة: جدلية الدين والسياسة في الإسلام المبكر"، الذي نشر لأول مرة باللغة الفرنسية، سنة 1989، ونقله إلى العربية بعنوان معدّل الكاتب والمفكر اللبناني، خليل أحمد خليل، بمراجعة من المؤلف نفسه سنة 1991 حيث نشرته دار الطليعة ببيروت، وفي ظرف عشر سنوات طبع الكتاب أربع مرات.
يقول هشام جعيط في مدخل الكتاب: "ليس إسلام الأصول هو ذلك الإسلام الكلاسيكي المركب، المرتبط في المخيال الجماعي بحضارة ساطعة وثقافة كبرى. فقد كان إسلاما متواضعا على الصعيد المادي، ولكنه كان ممتلئا بدلالات للمستقبل، ما تزال ناطقة إلى اليوم، وتضغط بكل ثقلها على تمفصلات الإسلام، أمس والآن وغدا".  

تبرز إشارتان في كلام الكاتب تحيلان إلى محددين أساسيين في كتابة التاريخ الإسلامي حسب تصوّره: تتعلق الأولى بوجوب التفريق بين الإسلام كما يعكسه المخيال الجماعي للمسلمين، والذي يرسم صورة ناصعة ومثالية لواقع المجتمعات الإسلامية القديمة، والثانية تؤكد على أن ما يسميه جعيط "إسلام الأصول" سيحكم إلى حد بعيد مستقبل المجتمعات الإسلامية في المستقبل.

يتناول الكتاب دارسة متأنية للمرحلة التأسيسية للهوية الإسلامية، أي مرحلة الخلافة الراشدة والتي تحللها الانقسامات الأساسية في قوى الفتنة التنازعية. إذ ألقى المؤلف الضوء على الفتنة التي أدخلت المسلمين في دوامة من الأزمات والحروب الضارية والانشقاقات السياسية والتي ما زالت حاضرة في الوعي الإسلامي كمرجعية، لكنها غير معروفة حقاً في آلياتها وتطوراتها.

ففي هذا الكتاب، تحدث الكاتب عن الفتنة التي أدت إلى مقتل عثمان بن عفان ومن بعده علي بن أبي طالب وابنه الحسين واستيلاء معاوية على السلطة وتوريثها لأولاده، باعتبارها، كما يقول، الفترة التاريخية الأكثر إثارة على غرار الثورات الكبرى التي هزت البشرية، من حيث أبطالها المتصارعين وقيمها وخطابها، ولأنها أدخلت الديني في عالم الصراع السياسي. ولكونها لم تكن تعبيرا عن مطامع دنيوية فجة (الاعتراض على سوء إدارة عثمان للدولة والمال العام بحسب الكاتب) بل كانت تحتوي مبادئ وأفكارا ومطالب، وكانت بمثابة ثورة داخل الإسلام.

وتنبع أهمية الكتاب من تقديمه رواية للإسلام دينا وتاريخا انطلاقا من نقطة الصفر. حيث استعرض هشام جعيط السياق السياسي والاجتماعي والاقتصادي والفكري والتاريخي والديني الذي ولَّد عوامل الفتنة وأسبابها ومسبباتها. لكنه لم ينطلق من عصر عثمان الذي فيه وقعت الفتنة وإنما عاد قليلا للوراء حيث ظهور الإسلام ونشأة دولة المدينة بقيادة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ودور الجيش الذي أسسه لمباشرة الجهاد داخل شبه الجزيرة العربية وتوسعة مهام هذا الجيش من بعد وفاته على يد كل من أبي بكر وعمر.

يقول الكاتب إن ما حدث من فتنة في النصف الأول من القرن الأول الهجري قاد أهل السنة فيما بعد إلى إضفاء القدسية على كل تلك المرحلة حين أعلنوا الخلفاء الأربعة كخلفاء راشدين وجعلوا قسما من عقيدتهم الاعتراف بهم جميعا في سياق تعاقبهم على الخلافة.

وهي ذاتها الظاهرة التي أدت إلى التشيع الذي لا يعترف إلا بعلي خليفة حقيقيا رافضا قبول الآخرين، وأدى إلى الخلاف السني الشيعي الذي نراه اليوم، كما أدى إلى بروز فرق أخرى كالخوارج المتواجدين في عُمان والجزائر وليبيا وتونس والذين لا يعترفون إلا بخلافة الشيخين أبي بكر وعمر قبل الفتنة، وتركيز السنة على فترة حكم الخلفاء وربطها بعهد النبوة أحاطها بهالة روحانية جعلت "الحكم الحقيقي" في المخيلة الجماعية والنموذج المحتذى هو حكم الخلافة الراشدة.

ولا يتمثل الكتاب في كتاب تاريخي فحسب، وإنما هو إعادة قراءة بغرض فهم جذور الجدل والسجال الذي لا يزال قائما، خاصة منذ إلغاء مصطفى أتاتورك الخلافة عام 1924. وهو جدل له علاقة بعلمنة السياسة والدولة ولا يزال يشق الوعي الإسلامي الحديث إلى شقين كما يقول المؤلف: أنصار علمانية الدولة وأتباع إسلاميتها.

 

كتاب-الفتن-جدل-الدن-والساس-ف-السلام-المبكر-لهشام-جعط.jpg

من الممكن أن يعجبك أيضاً