post

لطفي حجي: التباغض مؤذن بخراب دائم

تونس الجمعة 07 جانفي 2022

خطاب سياسي رسمي في ظاهره يدافع عن المبادئ والأخلاق لكنه في باطنه محاولة للتضليل والهروب من القضايا الحارقة التي تهدد مستقبل البلاد واستقرارها ويتجلى ذلك في ثلاث قضايا على الأقل:

الأولى تتمثل في تكتيك محكم يعتمد قلب الأولويات لتحويل انظار الرأي العام عن الأزمات الفعلية، كأن يتم تصوير المعركة مثلا على أنها معركة دستورية نظرية تقوم على تأويل فصول الدستور، والقوانين بالرجوع الى فترات تاريخية غابرة، وإلى منظرين من قرون خلت، وهي قضايا على ضرورتها أحيانا تبقى دون مستوى الأزمات الحارقة على رأسها الأزمة المالية الخانقة والتي تنذر بالخطر المحدق حسب أكثر الخبراء الاقتصاديين تفاؤلا، وعليه فإن لم تشمر السلطة على سواعدها وتجمع الخبراء الاقتصاديبن، والمنظمات الاجتماعية المعنية لإيجاد حل عاجل مع حملة تحسيسية دولية عقلانية مع الشركاء الاقتصاديين الدائمين لتونس، إن لم تفعل ذلك في قادم الأيام فلن ينفع حينها اعتى فلاسفة الأنوار ولا جهابذة القانون في ايجاد حل لانهيار المالية العمومية وما سينجر عنها من أزمات اجتماعية.

فالسياسة ليست نصوصا ولا دساتير ولا خطب، وان كانت تلك أدواتها، بل هي تحقيق الرفاهة والاستقرار والطمأنينة للشعب الكريم. ما عدا ذلك سيبقى حديثا تذروه الرياح.

القضية الثانية، تتعلق بالصمت الرسمي الرهيب والمخيف عن دعوات القتل والتباغض بين التونسيبن والتي عمت صفحات الفايسبوك وتكاد تنتقل إلى الواقع، وحينها ستندم السلطة عن صمتها عن انتشار هذه الدعوات، لأنه اذا اشتعل فتيل العنف يصعب إيقافه لا من السلطة ولا من تلك النخبة المتمعشة التي تغذي هذا الصراع بالكذب وتزييف الوقائع. وبالانحطاط الأخلاقي الرهيب، لأن السياسة في الزمن الديمقراطي، حتى وان كانت قائمة على التنافس والصراع، فالمفروض انها لا تتجرد من الأخلاق والقيم في ما يتعلق بالوقائع وأعراض الناس، وكل الدعوات التي يعاقب عليها القانون. فدور السلطة أن تفرض بقوة المنطق والقانون عقلنة الاختلاف لضمان التعايش السلمي بين جميع مكونات المجتمع مهما كانت اختلافاتهم.

القضية الثالثة تخص الخطاب الذي يقوم على بيع الأوهام عبر شعبوية تجاوزتها الديمقراطية على الرغم من أن عددا من الجماهير تود أن تسمعها قبل ان تستفيق من غيبوبتها. لأن الشعبوية على المستوى السياسي هي تمام كذلك التنويم المغناطيسي الذي سرعان ما ينتهي تأثيره بانتهاء آجاله، والخطاب الشعبوي هو تماما كأكداس ورقات عملة منتهية الصلاحية، يبتهج بها صاحبها لكنه يصدم أيّما صدمة عندما يكتشف أنها غير قابلة للصرف.

استمعوا فقط إلى خطاب المسؤولين عن الاستشارة الوطنية، فستكتشفون أن الأمر لا يعدو ان يكون مجرد لخبطة تهدد آخر اركان المكاسب التاريخية للدولة، إذ كيف يمكن لمن يشارك فيها دون معرفة وعلم أن يساهم في رسم مستقبل قطاعات حساسة، في وقت نتحدث فيه عن العلم والاختصاص، بل "ميكرو" الاختصاص.

واضح أن العلم والقواعد السليمة للتصرف هي عدوة الشعبوية، فالأولى تبني فعلا أوطانا وتحرص على سلامتها، في حين أن الثانية معول لتخريب المكاسب وإن بشعارات براقة.

لطفي حجي صحفي

galleries/لطف-حج.jpg

من الممكن أن يعجبك أيضاً