post

لم يرضوا بذلّ القيود.. آلاف التونسيين ساروا في الحياة بحثا عن نور الحرّيّة ومناصرة للديمقراطية

تونس الثلاثاء 12 أكتوبر 2021

مرآة تونس – جليلة فرج

"خلقت طليقا كطيف النسيم وحرّا كنور الضحى في سماه..، فمالك ترضى بذلّ القيود وتحني لمن كبلوك الجباه.. ولا تخشى مما وراء التلاع، فما ثم إلا الضحى في صباه، وإلا ربيع الوجود الغرير، يطرزه بالورد ضاف رداه.."، كلمات قالها شاعر الخضراء أبو القاسم الشابي دفاعا عن حقوق الإنسان في الحرّيّة، وفيها حثّ الإنسان على التمسّك بحريته والدفاع عنها، وطلب منه ألا يخاف من شيء وأن ينطلق نحو الحياة بقوّة وشجاعة، كلمات حفظها الآلاف من التونسيين وساروا في الحياة دون خوف، بحثا عن نور الحرية الساطع المشعّ.

يوم 10 من الشهر 10 على الساعة 10، التقى عشرات الآلاف من المخمورين، الحشرات، الخائنين، المأجورين، الشياطين.. مثلما وصفهم من انتخبوه لمجرّد أنهم خالفوه في الرأي. فعلا هم المخمورون بنبيذ الحرية، هم الحشرات الباحثين عن الحرية، هم الخائنون لكلّ من غدر بالدستور والوطن، هم المأجورون الذين يدفعون من أموالهم للوصول لمكان المظاهرة، هم الشياطين الذين يراودهم حلم العودة للحرية والديمقراطية. هم تونسيون يتوقون للحرية ولا يرقصون للعبودية، وصواريخ تهديد الرئيس والتشويه والتشكيك لا تنتقص شيئا من انتمائهم للوطن. هم عشّاق الحرية الذين غنّوا  تحت زخات المطر "هيلا هيلا يا مطر اغسلي أوراق الشجر الحلم مثل الورد يكبر والهلال يصبح  قمر".

تواصلا مع جهاد الأجداد ونضالهم الذين طالبوا ببرلمان تونسي عندما خرج أحرار وحرائر تونس للتظاهر لأوّل مرّة في تاريخ البلاد يوم 8 أفريل 1938 للمناداة بالحرية وتحديدا ببرلمان تونسي، توافد المتظاهرون على شارع الحبيب بورقيبة، بعد أن منعوا من التواجد في شارع محمد الخامس مثلما كان مبرمجا، ونادوا باحترام أحكام الدستور وعودة البرلمان إلى سالف نشاطه وطالبوا بحماية الدستور والديمقراطية وحقوق الإنسان، في حركة احتجاجية جديدة رفضا لانقلاب رئيس الدولة قيس سعيّد على الدستور وعلى القانون وعلى المؤسسات.

وتناوب على إلقاء كلمات أمام الحاضرين مجموعة من النخب السياسية والحقوقية من مختلف التوجهات الفكرية والسياسية على غرار عصام الشابي (الحزب الجمهوري) وعبد اللطيف المكي المستقيل من حركة النهضة ورضا بلحاج (حزب أمل) وجوهر بن مبارك (حقوقي) وعجمي الوريمي (حركة النهضة)..

المفروض وبنص الدستور، فإن الرئيس هو الضامن لوحدة التونسيين، ولكن دستورنا في عهد رئيسنا أكله الحمار، وصار كل من يؤيد الرئيس ملاكا طاهرا في حين من يخالفه الرأي هو شيطان رجيم. رئيسنا لم يتسع صدره لاحتضان كل أفراد الشعب وقبول اختلافاتهم وتناقضاتهم والعمل على التقريب بين وجهات نظرهم والحوار مع مختلف ممثليهم لاحتواء التناقضات وتخفيف الاحتقانات، بل حاول في كلّ مرّة خلق الفتنة والتشجيع على التصادم وزيادة الاحتقان وتقسيم الشعب وظلّ يكرّس خطاب الكراهية ويهاجم أبناء شعبه المخالفين لتوجهاته ويصفهم بالحشرات والشياطين والمخمورين والمأجورين..

تضييقات أمنية

شهد محيط شارع الحبيب بورقيبة حضورا مكثفا لقوات الأمن التي أغلقت كلّ المنافذ المؤدية للشارع الرئيسي، وقامت بتطويق المداخل الرئيسية للعاصمة. تضييقات أمنية وحصار شهده شارع الحبيب بورقيبة والشوارع المجاورة له تزامنا مع المظاهرة المناهضة لقرارات الرئيس قيس سعيد والمناصرة للديمقراطية.

ورغم القيود التي فرضت، حافظت المسيرة الاحتجاجية على طابعها السلمي، واحتشد الآلاف، وتدفق المحتجون على شارع الثورة، وردّدوا شعار "يا للعار يا للعار المسيرة في حصار"، احتجاجا على غلق وحدات الأمن لعدد من المنافذ باستعمال الحواجز المعدنية.

وأكد شهود عيون وصور وتسجيلات فيديو وجود تضييقات ومحاصرة للمتظاهرين، فقد تمّ أوّلا منع التظاهرة بشارع محمد الخامس كما كان مبرمجا لها منذ البداية رغم سبق إعلام وزارة الداخلية بذلك طبق القانون. ثمّ تمّت محاصرة فضاء الوقفة الاحتجاجيّة أمام المسرح البلدي بمساحة ضيّقة جدّا لتصغير حجمها، ممّا اضطرّ المحتجّين لدفع الحواجز الأمنيّة الحديديّة بعد أن ضاق عنهم الفضاء وسبّب تدافعا، ما خلق مواجهات لبعض الوقت مع قوى الأمن قبل أن تخضع للأمر الواقع وتتراجع أمام الضغط الشعبي. ووقع اختصار الدخول لكامل شارع الحبيب بورقيبة في منفذين اثنين، ومنع عدد كبير من المحتجّين من الالتحاق بالمظاهرة وتمّ تعطيلهم لوقت طويل.

وأكّدت الهيئة التونسية للوقاية من التعذيب أنّ الأمن فرض تضييقات على مظاهرة يوم الأحد 10 أكتوبر بأكثر ممّا حصل مع كلّ المظاهرات المماثلة السابقة.

 ويعتقد عدد من الملاحظين بأنّ الغرض الأساسي من هذه التضييقات الأمنية يهدف إلى الحيلولة دون تجمّع عدد كبير جدّا من المتظاهرين ضدّ رئيس الجمهوريّة في نفس الوقت، بما يحرج قيس سعيّد، والذي أبدى توتّرا وانزعاجا واضحا من هذه التظاهرات المناهضة له، وظهر ذلك جليّا في مهاجمتها وشيطنتها من قبله بأبشع النعوت وبتشنّج بالغ.

اختطاف

في محاولة لقمع الحريات والتضييق على المتظاهرين رافضي الانقلاب، ومن قلب المسيرة، تمّ اختطاف عضو الاتحاد العام التونسي للطلبة عثمان العريضي واقتياده إلى جهة مجهولة. ولأنه كان ناشطا فوق المنصة ومهندس هذه الوقفة الاحتجاجية ضدّ الانقلاب، كانت النتيجة تلفيق تهمة كعقاب له.

وطالب الاتحاد العام التونسي للطلبة، السلطات الأمنية بإخلاء سبيل العريضي. واتهم الاتحاد في بيان قوات الأمن باختطاف الطالب العريضي أثناء انسحابه من المسيرة التي جرى تنظيمها وسط العاصمة. ونفى الاتحاد صحّة ما نسب للعريضي من محاولة طعن رجل أمن في شارع الحبيب بورقيبة. وطالب البيان بإخلاء سبيل العريضي و"إسقاط التهم الكاذبة في حقّه مع تحميل مسؤولية سلامته الجسدية والنفسية لسلط الإشراف''، وحمّل بعض الصفحات على مواقع التواصل "مسؤولية الادعاءات الكاذبة الواقع نشرها وتم تكليف محامي باتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة".

وأكد الاتحاد "استعداده لمواصلة طريق النضال السلمي والجماهيري الواسع من أجل إنصاف حق الطالب العريضي وعموم من يتعرض لمثل هذه التجاوزات". وشدّد الاتحاد على "ثباته في مواقفه الماسكة بالدستور واصطفافه الكامل في صف الوطن والوطنيين".

وأكد المحامي بشر الشابي أن العريضي هو المُعْتدَى عليه حيث ذهب ليشتكي، ولكن بعض النقابات الأمنية أرادوا تلفيق تهمة له بطعن عون، وكان ذلك بحضور محامين وأعضاء من منظمة مناهضة التعذيب.

من جهتها، قالت المحامية والناشطة إيمان الطريقي عبر صفحتها بـ"فيسبوك": "كنت متواجدة بالصدفة مع عضوي هيئة مكافحة التعذيب عندما شاهدت الشاب عثمان العريضي يتوجّه لرئيس منطقة باب بحر للتشكي من أعوان أمن بالزي المدني يلتقطون له صورا ويحاولون التفرّد به لاقتياده لجهة غير معلومة". وأضافت: "فتكفل رئيس المنطقة باصطحابه لسماع أقواله، وهناك التحق عدد من الأعوان لاتهامه بالاعتداء عليهم". وتابعت: "بعد الاتصال بالنيابة العمومية أحالت الملف لسماع جميع الأطراف في فرقة حرس بن عروس. وتساءلت: "لمصلحة من يقع توريط الأمنيين في مثل هذه الملاحقات للمواطنين المناهضين للانقلاب".

حضور الصحافة العالمية

حظيت مظاهرة يوم الأحد 10 أكتوبر المناهضة لانقلاب الرئيس على الدستور، بتغطية واسعة من وكالات الأنباء الدولية ووسائل الإعلام العالميّة.

ونقلت وكالة رويترز للأنباء الدولية خبر تظاهر آلاف المحتجّين دون ذكر عددهم على وجه الدقّة، ونقلت مئات وسائل الإعلام الدوليّة الخبر عنها. ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية (AFP) تقديرها في وقت مبكّر بأنّ عدد المتظاهرين يتجاوز 5000 شخص، وأنّ عددهم زاد بشكل ملحوظ لاحقا مع تدفّق المزيد. ونقلت قناة "سي بي سي (cbc) الإخبارية الأمريكيّة أيضا تغطية للتظاهرات، وكذلك موقع "US News" وأكّد كلاهما خروج آلاف المحتجّين ضدّ إجراءات سعيّد. وعنونت جريدة "لوموند" الفرنسيّة العريقة والمؤثّرة تغطيتها بالقول: "تونس: مظاهرة ضدّ انقلاب الرئيس قيس سعيّد". وذكر موقع إذاعة "مونتي كارلو" الفرنسيّة بأنّ الآلاف ينظّمون احتجاجا ضدّ الرئيس التونسي وسط العاصمة لسيطرة سعيّد بشكل كامل على السلطة، وأنّ الشرطة انتشرت بشكل مكثّف لمنعهم من التقدّم على طول شارع الحبيب بورقيبة. ونقلت قناة "الجزيرة مباشر" من جهتها كامل المظاهرة عبر بثّ مباشر. وأكد موقع "روسيا اليوم" وجود تضييقات أمنيّة على المتظاهرين..

رئيسنا تعمّد تشتيت المتظاهرين وتقسيمهم بنشر الحواجز في كل المداخل وكل مكان وترك فقط مساحة ضيّقة وغير كافية لاستيعاب كل المشاركين في المظاهرة، ولكن كانت هذه الحواجز سياج الحرية بالنسبة إليهم. رئيسنا حاول تشويه معارضيه وإسكاتهم ومحاصرة الحناجر الذهبية، باستعمال الداخلية في قمعه للمتظاهرين، ولكن نجحت المظاهرة بسلميتها ورسائلها وأهدافها. وبعد نجاح هذه المظاهرة، وجب التفكير في الخطوات الموالية لأنه من واجب الشعب التونسي مواصلة الدفاع بكلّ الوسائل المشروعة عن مطالبه العادلة في الحرية والديمقراطية والكرامة الوطنية.

 

galleries/لم-رضوا-بذل-القود-01.png

من الممكن أن يعجبك أيضاً