post

مبروكة خذير: ظلمت في الحكم ولم تعدل..

صحافة السبت 15 جانفي 2022

السيد رئيس الجمهورية #قيس_سعيد،

امّا قبل ،

فأنا الممضية اسفله ،الصحافية مبروكة خذير ، صحافية ميدان و اعمل منذ سنوات كمراسلة لعدة قنوات اجنبية ،منتجة و مخرجة و مدرسة في معهد الصحافة و علوم الاخبار، مدربة في مجال الاعلام و الصحافة و ادير برنامجا في مجال #البيئة Cosmos - كوسموس

أمّا بعد ،

فاعلمك سيدي الرئيس ان نقدك اللاذع و هجومك القاسي على الاعلام و الإعلاميين شهادة لنا لا علينا .. شهادة على أننا لم نطبّل و لم "نزمّر" لك أو لغيرك و متى كان الاعلام الحر و المستقل محل رضا السلطة او المعارضة !!!

هذا الاعلام الذي تنتقده اليوم و أنت رئيس، كان منحك كل الوقت وانت استاذ قانون دستوري - مواطن - كان له راي و وجهة نظر. انت من كنا نحاورك في قنواتنا فيما يخص اختصاصك في مجال القانون الدستوري.

هذا الاعلام الذي تنتقده اليوم، و أنت رئيس، كان منحك كل الوقت وانت مرشح رئاسي -مواطن- في سباق انتخابي ضد رئيس حكومة مباشر (الشاهد)و رئيس دولة سابق (المرزوقي) و وزراء و شخصيات حزبية و وطنية وازنة ( الزبيدي ، مورو ، الصافي سعيد ..)

هذا الاعلام الذي تنتقده اليوم و أنت رئيس كان منحك من الوقت #خمس_ثوان بقيت في رصيدك و كانت كافية لتحسم السباق الانتخابي لصالحك .. أتذكر عندما قلت حينها في مناظرة تلفزيونية على قناة حكومية، ان التطبيع خيانة عظمى !!!

هل كان الإعلام يومها -يوم المناظرة- سلطة فوق السلطة الحاكمة آنذاك ام وظيفة بيد السلطة !!!

سيدي الرئيس ،

الاعلام الذي لا تتورع عن مهاجمته لا يدين إلا لشرفه المهني و هياكله المهنية التعديلية التي ناضل من اجلها الاعلاميون و رضخت لها الحكومات السابقة فاذا كان لا يعجبك حاله فما عليك سوى ان تصدر مراسيمك التي تهاطلت علينا في الاشهر الاخيرة لتعديله بما يتماشى مع استثنائية المرحلة التي تريد، و ما عليك سوى ان تعدل او تحل أو تجمد الهياكل التي من مشمولاتها تنظيم القطاع.

سيدي الرئيس،

اعذرني في القول انك قد ظلمت في الحكم و لم تعدل، ففي قطاعنا اسماء و كفاءات تستحق منك الاحترام و التقدير و تحضى بقدر من الموضوعية بما يجعلها اهلا لتقديرك و تقدير كل الفرقاء..

انا ما رايتك الا كافرا بنا جميعا ،انت يا من تختار دوما ان تطل علينا عبر اعلام اجنبي، تختاره بنفسك و تتمنع على منح صحافيين تونسيين حق الخوض معك في حوارات تنير الراي العام و ترفع اللبس عن غموض رؤيتك السياسية.

انت من اغلقت ابواب قصرك امام حقنا في النفاذ الى المعلومة فاصبحنا لا نظفر بالمعلومة الا عبر صفحة الفايس بوك مثل أي مواطن،فهل تود ان ترغمنا على وضع اللايكات و الاعجابات !!! ام تود ان تمنعنا من طلب التوضيحات و طرح التساؤلات !!!

كم امضينا من الوقت يا سيادة الرئيس نقلب على الخبر اليقين في غياب المعلومة من مؤسسة الرئاسة التي تركتنا لقمة لاخبار مضللة او كاذبة !!!

سيدي رئيس الجمهورية،

هذه رسالتي اليك انت يا من جمعتنا في سلة واحدة، من حقك ان تنقد و ان تسائل و ان توجّه لومك للبعض لانك و غيرك من المنتقدين، محقون في ان جزءا من هذا الاعلام يحتاج اصلاحات، و هذا ما لم نتوقف عن الدعوة اليه قبلك و قبل ظهورك في المشهد السياسي اصلا ، منذ سنوات و نحن ننقد و نطرح البدائل و لن نتوقف…و ان توقفنا فلنستريح لكننا لن نعود ابدا الى الوراء .

و لكونك رئيس، فاعتقد ان اصلاح الاعلام، ضرورة، لكن الخوض في آلياته، طريقته و نواميسه ليس من صلاحياتك كرئيس للبلاد، هو خطوة لهياكل المهنة التي تعي وعيا قاطعا اننا نحتاج لاصلاحات بسبب ما علق باعلامنا من شوائب افسدت علينا، حتى نحن ابناء المهنة، حلاوة هذه الرسالة النبيلة التي دنسها البعض..

فالاعلام سيادتك،سلطة و ليست وظيفة، و هذه السلطة تحتاج فعلا اياد نظيفة و سريرة طيبة و إرادة صلبة تعدل بوصلتها بما يتماشى مع مشاغل المواطن و انتظاراته.

رسالتنا ان نخبر و ان نفسر و ان نستقصي و ان نحقق و ان ندقق و ان نسائل و ان نكون سلطة رقابة لانصاف الجميع بل، و حتى سيادتك لن تكون فوق التدقيق و التحقيق و الرقابة و لا دون الإنصاف و العدل القسطاط.

سيدي الرئيس،

تعودت ان استمع الى المواطنين يسبون و يشتمون، و يضعون الكل في خانة "اعلام العار" فيسيؤني ذلك و يحبط عزيمتي التي بقيت صامدة امام محاولات الاستقطاب التي طالت كل الصحافيين خلال السنوات الاخيرة.

فانا مثل غيري من شرفاء مجتهدين متفانين خيرنا الاستقلالية في زمن كان فيه الجميع يريد ان يجعل لنفسه ذراعا اعلامية تدافع عنه و عن مصالحه السياسية او الاقتصادية..

انا و غيري ممن قاومنا و مازلنا متشبثين باخلاقيات المهنة و نواميسها يسيئنا فعلا ان نكون في مرمى الجميع، مواطنين و ساسة، لا يفرقون بين السيء و المهني، بين من يعمل لمصلحة انارة الراي العام و من يعمل لفائدة نفس أمارة بالسوء ..

سيدي الرئيس،

اعذر غضبي فكلامك الذي عمم محبط للعزائم بل هو في نواميس مهنتنا يسمى بخطاب الكراهية، لان من يؤلب الراي العام على فئة باستعمال اسلوب التعميم يزرع الضغينة في قلوب الأخرين.. فما بالك و باث الخطاب رئيس و مريدوه مازالوا مهووسين بخطابه الذي يشفي غليل بعضهم من الغاضبين على الاعلام و جلهم غير عارفين لادبيات القطاع الذي يحاول الكل ان يجعل منه "البهيم القصير" الذي تعلق على ظهره كل نكسة او سقطة او هفوة.

اي نعم اعلامنا عليل و مريض و يحتاج مراجعات من اهل القطاع و هياكله، لكن دعوتي لك و لمريديك و مؤيديك، انظروا حولكم، تمعنوا و ميزوا ، ففي بعض وسائل اعلامنا هناك ما يدعوا للامل.

و في ربوع وطننا هناك صحافيون يعملون ليلا نهارا حتى لا يزيحوا عن قاعدة صاحبة الجلالة ..

تمعنوا جيدا، فهناك من صحافيينا و اعلاميينا من تعبوا و كلوا و ملوا من انتاج محتوى ذو جودة لا يجد طريقه للتثمين لاعتبارات عديدة هيكلية منها مثلا المنوال الاقتصادي الخاطىء الذي يعول على الاشهار و الجانب الاشهاري الجاف الذي لا هم له سوى بث عقلية استهلاكية.

احرى بك و بغيرك يا سيادة الرئيس ان تشجعوا من صمدوا لشرف المهنة و ان تميزوا بينهم و بين من باعوا و غنموا ..

اجدر بك ان تكون رئيسا يدرك عمق وسائل الإعلام في عصرنا الحالي عصر الاتصال والصورة ، وسائل قادرة على الفعل بشكل مباشر أو غير مباشر في المشهد السياسي، وتشكيل رؤية لدى الجماهير نحو واقعها، وتحديد نمط تفكيرها وتصوراتها تجاه القضايا المطروحة والمستجدة بما يخدم أهداف العملية السياسية في نهاية المطاف.

سيدي الرئيس ،

لعلك لم تر وجهي و لا طالعتك سحنتي في منبر من منابر اعلامنا التونسي على امتداد سنوات مضت .فقد كان لي تجارب صغيرة في اعلامنا المحلي، تجارب كانت مفيدة و غاية في العمق لكنها حلقت بعيدا عن خطاب الرداءة فلم تلق حظها في الدعم ..ففي بلادي يذهب اغلب الدعم لمن يجرؤ على خطاب مفرغ فقط..

انا صحافية ميدان، مثلي مثل زملاء آخرين، قلة منا وجدوا طريقهم فتسللوا نحو منابرنا المحلية يتصدرونها، عن جدارة و ما اسعدني حين اراهم يفتكون المصدح لتصدح حناجرهم بكل جديد مفيد للامة.

فأما الاغلبية من صحافيين مختصين قادرين مقتدرين فإنهم إما بقوا مغمورين ليحل محلهم الممثلون و الفنانون و صناع المحتوى ممن لم يدرسوا الصحافة و الاعلام أو هاجروا لتضيء نجومهم سماء الاعلام الاجنبي ، و ما اكثر الصحافيين التونسيين المتميزين ممن يصنعون اليوم مجد قنوات و وسائل اعلام اجنبية .

من يملؤون الدنيا في تونس اليوم ليسوا في جلهم، سوى مقدمي برامج و منشطين،ممن لم يتكونوا في صناعة المحتوى الصحافي الهادف الجاد بل رصيدهم فقط شهرة زائفة احيانا،او هم بعض من الكرونيكورات، و هم الاغلبية.

و لعلك عن هؤلاء تتحدث ؟!

و لكن حتى لا اسقط سقطتك في التعميم، فهؤلاء ايضا فيهم من لمسنا فيه بعض الشغف ليكونوا في مستوى هذه المهنة النبيلة .

لعلك سيدي الرئيس حين حكمت، مثلما يحكم عامة الشعب، قصدت فقط هؤلاء الذين يطالعونك عبر شاشات التلفزيون يتصدرون مشهدا في اغلبه سيء بعيد عن رسالة الصحافة و الاعلام.

اما انا، و غيري من صحافيين شرفاء اجلّهم، فقد امضيت عقدا و نصف العقد من العمل الميداني، فقد ساءني و حز في نفسي هجومك و انتقادك اللاذع باسلوب تعميم لوسائل الاعلام التي اتهمتها بتشويه الحقائق و استعمال اسلوب شتم و قلب للحقائق و تحريض..

ساءني سيادتك، انك وضعتنا في خندق واحد و لم تميز سلتك التي وضعتنا فيها بين صحافي و اعلامي نزيه مستقل و آخرين اصبحوا بيادق و ابواقا لأجندات لا علاقة لها بهذا القطاع سوى انها وجدت مزاجا عاما مثل مزاجك، يعمم و لا ينسب، يخون و لا يعدل في الحكم بامعان النظر في عمق المحتوى ..

شانك في ذلك شان ذلك المواطن البسيط الذي يصفنا دوما باعلام العار.

شانك في ذلك شان المواطن الذي نسعى ان نربيه على وسائل الاعلام حتى يكتسب القدرة على الانتقاء و البحث عن السمين من المحتوى الاعلامي ..

نحن هاهنا ندفع ضريبة مشهد مفتوح على كل الطفيليات. مشهد منغلق امام الكفاءات المختصة مشرع لمن "هب و دب"...

مشهد عودوك و عودوا شعبنا على فراغه من الصحافيين الحقيقيين اولائك الذين يعملون بتفان و في صمت بعد ان تنفسوا ذات ثورة -مازلت تؤمن بها -عبق حرية التعبير،

سيدي الرئيس،

اعذرني ان انا اطلت عليك الحديث فليس لي منبر تونسي يمكنني ان اخاطبك من خلاله و حسبي هذه الرسالة التي سانشرها على جدار مدونتي، لان امثالي، لا يتصدرون المشهد ليخطبوا عليك خطبهم العصماء… فهل علي، انا التي تدرب الاطفال و الشباب على وسائل الاعلام ان اثبت لهم في كل مرة ، كما اثبت لك الان،ان في هذا القطاع شرفاء ؟!

هل قدرنا اننا بقينا منذ عشرية نحاول ان ندفع عن انفسنا نيرانا من كل صوب و حدب لنقول لك و لبعض من المواطنين، عفوكم ما كلنا تعساء و ما هذا القطاع ببائس، بل فيه بعض من البؤس يحتاج جرعة من دواء .. فهل الدواء ان تطلق علينا جميعا النار لنكون، على بكرة ابينا، في مرمى الاتهامات بكل انواعها ؟!

هل قدري اني في كل مرة أجد نفسي اكتب دفاعا عن نفسي و عن كثيرين تاكلهم رحى الخطاب التعميمي الذي يضع الجميع في سلة واحدة سلة "اعلام العار" ؟!

ختام قولي ما قاله برتراند راسل: "إذا كان المجتمع غبياً أو متحاملاً أو قاسياً، فإن من المميزات للمرء ومن الذكاء ألا ينسجم مع مجتمع كهذا..»

فما بالك و انت الرئيس؟!

الصحافية مبروكة خذير -فوق سطرين- في 2022/01/12

( منذ احد عشر عاما كنت في مثل هذا اليوم اجوب البلاد بين القصرين و سيدي بوزيد اوثق مخاض سقوط نظام دكتاتوري زعزع بنيانه حراك اجتماعي بسبب الظلم و القهر و غياب العدالة ولا تزال المسيرة مستمرة في الزمن تأبي ان توضع بين معقفين.)

مبروك-خذر.jpg

من الممكن أن يعجبك أيضاً