post

نظام التفاهة: السلطة مبسوطة في يد التافهين باختلاف درجاتهم ومستوياتهم

ثقافة وفن الجمعة 08 أفريل 2022

"المشكلة هي أن السياسة أصبحت رياضة، مثلها مثل كرة القدم أو البيسبول. عندما يتعلق الأمر بالسياسة، يقوم الكبار والسياسيون بتوجيه أصابع الاتهام ويلعبون ألعابًا أكثر مما يفعل الأطفال في أي وقت مضى في كثير من الأحيان نتجذر لفخر الفريق وليس لصالح الأمة" تحليل لما نعيشه اليوم بطريقة ساخرة قدَمها الفيلسوف الكندي آلان دونو في كتابه نظام التفاهة وهو كتاب صادر باللغة الفرنسية تحت عنوان: La médiocratie .
حيث يعرض الفيلسوف في كتابه فكرة مفادها أننا نعيش فترة مختلفة عن فترات التاريخ البشري، حيث أنَ السلطة بعيدة عن يد من يستطيع التميز في القيادة، ومبسوطة في يد التافهين باختلاف درجاتهم ومستوياتهم، قائلا “أعتقد أنه يمكن تدنيس العقل بشكل دائم من خلال عادة الاهتمام بأشياء تافهة.”
يمكن تصنيف هذا الكتاب في خانة أدبيات "ما بعد الحداثة" كاتجاه فكري يُعنى بنقد مآلات وصيرورة الحداثة الغربية التي استحالت إلى تضخم النزعة المادية والاستهلاكية، ناهيك عن تشييئ الإنسان وتسليعه بدل العمل على تحريره وصون كرامته، وهو ما يعبر عنه الفيلسوف الكندي المعاصر آلان دونو في كتابه الشيق هذا بـ"نظام التفاهة" الذي يمكن تعريفه بأنه "النظام الاجتماعي الذي تسيطر فيه طبقة الأشخاص التافهين على جميع مناحي الحياة، وبموجبه تتم مكافأة الرداءة والتفاهة عوضاً عن العمل الجاد والملتزم". 
وسلَط الضوء على أنَ التحول الذي طرأ على تمثلنا لمفهوم وجوهر العمل بحكم سيادة منطق الرأسمالية المتوحشة التي أحالت البشر إلى مجرد آلات مسخرة لتحقيق فائض الإنتاج اللازم لاستمرار المنظومة الاقتصادية.
وقال الفيلسوف في هذا السياق: “يا لها من حضارة غريبة كانت هذه: غنية بشكل غير عادي، لكنها تميل إلى تجميع ثروتها من خلال بيع بعض الأشياء الصغيرة بشكل مذهل والتي لا معنى لها إلا بعيداً، حضارة ممزقة وغير قادرة بشكل معقول على الفصل بين الغايات الجديرة التي يمكن أن توضع الأموال من أجلها و غالبًا ما تكون آليات جيلها تافهة ومدمرة من الناحية الأخلاقية “. فمن "يتسلق أعلى الجبال يضحك على كل المآسي، سواء كانت حقيقية أو متخيلة".

وفيما يتعلَق بالنظام التربوي، ذكر الفيلسوف أنَ الفضاءات التي من المفترض أن تصنف في خانة مضادات الرداءة، وفي مقدمتها الجامعة، أمست لبنة أساسية في نظام التفاهة الذي نعيش في ظله. فبدلاً من أن تضطلع الجامعات بأدوارها التنويرية وتفرز لنا مثقفين نقديين يشتبكون فكرياً مع القضايا والأسئلة المجتمعية الملحّة، أصبحت الجامعات مشتلاً لما يسمى بالخبراء أو "أشباه الخبراء" الذين يحاولون إضفاء الشرعية على الأوليغارشية الاقتصادية المهيمنة والتعمية على تجاوزاتها.

كما أنَ مجالات الفن والثقافة هي أيضا تحت سيطرة التافهين أصحاب الذوق الهابط على حدَ قوله، حيث "أضحت الأعمال الفنية والثقافية الرزينة التي تحترم ذائقة المتلقي عملة نادرة. وذلك بسبب هيمنة منطق السوق الاقتصادية على المنتجات الفنية، إذ يتم في غالب الأحيان تسخير هذه الأخيرة لتمرير الرسائل وإشباع الحاجيات الضرورية لاستمرار عمل النظام الرأسمالي، في ظل ملكية أصحاب رؤوس الأموال لوسائل الإعلام واستحواذهم على سوق الإعلانات".

ويرى الفيلسوف الكندي،أنَ الحل الوحيد للإطاحة بنظام التفاهة يكون بكيفية جماعية أو ما يصفه بـ"القطيعة الجمعية"، وليس عبر نُشدان الخلاص الفردي، مع ما يستلزمه ذلك من طرق تفكير راديكالية لإنهاء وجود المؤسسات والقواعد التي تضر بالصالح العام.

وفي نظرة استشرافية للفيلسوف يرى أنَه في المستقبل القريب ، أولئك الذين فهموا قيمة الوقت سيحكمون أولئك الذين قللوا من أهمية الوقت.

نظام-التفاه.jpg

من الممكن أن يعجبك أيضاً