post

وداعا رائد التنوير المفكّر حسن حنفي

الشرق الأوسط الإثنين 25 أكتوبر 2021

مرآة تونس – جليلة فرج

هو منظّر فكرة اليسار الإسلامي، وصاحب مشروع فكري رائد. قضى عمره في محراب الفكر والفلسفة، وزخرت المكتبات العربية والعالمية بمؤلفاته وتحقيقاته. طالب الغرب والمستشرقين بإنصاف الشرق والحضارة الشرقية والقيم الإنسانية النبيلة. كان من أولئك الذين حرّكوا السواكن تحفيزا للتفكير وتطويرا للوعي. هو قامة فكريّة فلسفية ترك الأثر الجميل حيث التهم إنتاجاته العديد وتتفاعل مع أطروحاتها الكثيرون.

كانت له أقوال بارزة تعبّر عن فكره مثل "العلمانية روح الإسلام" و"التراث ابن عصره" و"التجديد ينشأ من الثقافة الشعبية للناس".. وفي مقابلات صحفية أكد أن مشروع التراث والتجديد يقاوم آفات العرب الثلاث: التقليد للقدماء والتبعية للغرب والعزلة عن الواقع.

هو صاحب مقولة "إذا كان لفظ "الله" يفيد المثل الأعلى فإنه يفيد الحرية عند السجين؛ والخبز عند الجائع؛ والماء عند العطشان؛ والعدل عند المظلوم؛ والكساء عند العاري؛ والمأوى عند اللاجئ؛ والوطن عند الشريد؛ والأرض عند المحتل؛ وهو الشارع عند علماء أصول الفقه؛ الله محبة كما يقول إخواننا الأقباط".

عن عمر ناهز 86 عاما، رحل أحد رواد التنوير الفيلسوف والمفكر المصري الدكتور حسن حنفي الذي يعتبر أحد أهم رموز تيار اليسار الإسلامي ودارسي علم الاستغراب وأحد المفكرين المعاصرين من أصحاب المشروعات الفكرية العربية.

وحسن حنفي (1935 - 2021) هو مفكر مصري، وأستاذ جامعي مارس التدريس في عدد من الجامعات العربية والأجنبية في تونس والمغرب والجزائر وألمانيا وأمريكا واليابان، وترأس قسم الفلسفة في جامعة القاهرة. درس في كلية الآداب بجامعة القاهرة، ثم سافر إلى فرنسا حيث حصل على الماجستير ثم حاز عام 1966، على درجة الدكتوراه في الفلسفة من جامعة السوربون وذلك برسالتين للدكتوراه، قام بترجمتهما إلى العربية ونشرهما في عام 2006 تحت عنوان: "تأويل الظاهريات" و"ظاهريات التأويل"، وقضى في إعدادهما حوالي عشر سنوات. عمل مستشارا علميا في جامعة الأمم المتحدة بطوكيو خلال الفترة من (1985-1987). وساهم حنفي عام 1989 في إعادة تأسيس الجمعية الفلسفية المصرية، وكان نائب رئيس الجمعية الفلسفية العربية، والسكرتير العام للجمعية الفلسفية المصرية على مدى أكثر من 3 عقود.

وركّز أستاذ الفلسفة الإسلامية بجامعة القاهرة، طيلة حياته على قضية تجديد التراث الديني وكان له مشروعه الخاص الذي ركز فيه على تحويل القضية إلى ثقافة شعبية وسياسية. قدّم المفكر الراحل العديدُ من المؤلفات تحت مظلة مشروعه في فكر الحضارة العربية الإسلامية أبرزها "تأويل الظاهريات" و"ظاهريات التأويل"، و"التراث والتجديد" (4 مجلدات) و"موسوعة الحضارة العربية" و"حوار المشرق والمغرب"، "من العقيدة إلى الثورة"، و"حوار الأجيال من النقل إلى الإبداع" (9 مجلدات)، و"مقدمة في علم الاستغراب"، و"فيشته فيلسوف المقاومة"، و"اليمين واليسار في الفكر الديني"، و"نماذج من الفلسفة المسيحية في العصر الوسيط"، و"من الفناء إلى البقاء"، و"اليسار الإسلامي".. وختم مشروعه بكتابة سيرته الذاتية "ذكريات"، كما كان يتمنّى.

حصلَ الدكتور حسن حنفي على عدةِ جوائز في مِصر وخارِجَها، مثل: جائزة الدولة التقديرية في العلومِ الاجتماعية 2009، وجائزة النيل فرعِ العلومِ الاجتماعيةِ 2015، وجائزة المفكر الحر من بولندا.

وفي لقاء صحفي، قال حنفي إنه انتمى للإخوان المسلمين في مرحلة الثانوية والجامعة وكان زميلا للمرشد السابق مهدي عاكف في شعبة باب الشعرية، لكنه تحوّل فكريا. وأكد أن ملفه في وزارة الداخلية مصنّف تحت عنوان "إخواني شيوعي"، وأنه يدعو إلى اليسار الإسلامي، وقال إن الكثير من الأتراك والماليزيين والإندونيسيين الإسلاميين استفادوا من أفكاره وأطروحاته.

ورغم أنه خرج على الإخوان وأصبح علما على اتجاه فلسفي مصري إلا أنه ظلّ وحتى النهاية مفتونا بسيد قطب ويرى أن عمله الفلسفي، أو جزء كبير منه، هو إكمال أو استئناف للقول الفلسفي الذي بدأ به سيد قطب في مرحلته الفكرية الثالثة التي ألف فيها كتابه "خصائص التصوّر الإسلامي".

ورغم أن تاريخ الجامعة التونسية في ثمانينيات القرن الماضي يكاد يجعل الرجل يساريا متطرفا معتزليا لا ترى في كتاباته إلا الوقوف على ويل للمصلين، وتمّ تشويهه حتى كادوا يخرجونه من الملّة بعد تصنيفه في قائمة المرتدين فكريا، إلا أن د. حسن حنفي أشعّت أطروحاته في تونس أكثر من مصر.

ونعى حنفي عدد من الفكرين والشخصيات العامة المصرية، منهم شيخ الأزهر أحمد الطيب، الذي نعى حنفي، عبر حسابه على "فيسبوك"، وقال: "قضى عمره في محراب الفكر والفلسفة، وزخرت المكتبات العربية والعالمية بمؤلفاته وتحقيقاته". وأضاف: "رحم الله الدكتور حسن حنفي، أستاذ الفلسفة بجامعة القاهرة (..) أذكر له مطالبته الغربَ والمستشرقين بإنصاف الشرق والحضارة الشرقية والقيم الإنسانية النبيلة". وكذلك رئيس جامعة القاهرة محمد عثمان الخشت، الذي قال في نعيه "نعي الأستاذ والفيلسوف الدكتور حسن حنفي القيمة الأكاديمية الكبيرة والإنسان المتميز". 

ولأنه كان يعشق جامعة القاهرة ويحب التواجد فيها وتدريس طلبتها، فضلت العائلة أن تكون الجامعة آخر مكان يتواجد فيه جثمانه قبل الدفن، وفي سابقة هي الأولى من نوعها، تمّ الطواف بجثمان المفكر المصري الراحل حسن حنفي داخل حرم جامعة القاهرة، التي أفنى عمره بتدريس طلبتها. وأقيمت صلاة الجنازة على الفقيد بمسجد صلاح الدين بالمنيل وسط القاهرة، عقب صلاة الجمعة، ثم حملت جثمان سيارة تحت الطلب وتوجهت به لحرم جامعة القاهرة حيث اصطف تلامذة الراحل وزملائه من أعضاء هيئة التدريس أمام القبة الرئيسية لجامعة القاهرة لاستقبال الجثمان والطواف به بين أروقه كليات الجامعة قبل دفنه بمقابر العائلة في مدينة نصر شرقي القاهرة.

فقدنا معلما ثقافيا وفيلسوفا ومفكرا كبيرا، فقدنا رجلا تنويريا حداثيا من تيار اليسار الإسلامي، فقدنا صاحب مشروع فلسفي متكامل وأحد المفكرين العرب المعاصرين، فقدنا من له العديد من الإسهامات الفكرية في تطوّر الفكر العربي الفلسفي.

رحم الله الفقيد، وتغمده بواسع رحمته ومغفرته، وألهم أهله وذويه الصبر والسلوان.

 

galleries/g-01.png

من الممكن أن يعجبك أيضاً