post

العقد الاجتماعي لجان جاك روسو

ملفات الإثنين 04 أفريل 2022

"أفَضِّلُ الحريّةَ المحفوفةَ بالمخاطرِ عن السلامِ المُكَبَلِ بالعبوديّة !"

هكذا يرى الفيلسوف والكاتب السويسري، جان جاك روسو، في إحدى أبرز المؤلفات الفكرية التي خطّها في عصر النهضة والتنوير في الغرب، العقد الاجتماعي.

فإثر سقوط الشرعية الدينية كأساس للحكم في أوروبا، بات من الضروري البحث عن بديل يرتكز عليه الحُكم السياسي وتتحدد انطلاقا منه مسؤوليات الحكام والمحكومين، وواجبات وحقوق كليهما.

كان روسو من بين المفكرين والفلاسفة التنويريين الذين سعوا لإيجاد ميثاق شرعي جديد يحكم العلاقة بين الطرفين، فطرح فكرة العقد الاجتماعي إلى جانب مجموعة أخرى من المفكرين على غرار جون لوك وتوماس هوبز.

ويؤكد جان جاك روسو على أن الحرية فطرية في الإنسان، لكن حريته تفقد معناها الذي كان لها في حالة الطبيعة بتواجده في المجتمع، إذ تتحول هذه الحرية من طبيعية إلى مدنية، ما يترتب عنه تقييد الإنسان بمجموعة من القوانين التي تمنعه من ممارسة حريته الطبيعية على إطلاقها.  

لا يؤمن الفيلسوف التنويري بما يسمى "قانون الأقوياء" في المجتمع، إذ يرى أنّ ما يوجد هو قانون يجعل يساوي بين جميع الناس، وبموجب هذا القانون يتنازل الناس عن حرياتهم مقابل أن يقوم القانون بحمايتهم. وبغياب سلطة عليا تضمن وفاء المتعاقدين، فإن الإنسان المتعاقد يبقى صاحب الحل والعقد.

ويضمّ العقد الاجتماعي أربعة كتب، قسّمها كاتبها إلى عدّة فصول عرض فيها نظريته، في وقت كان فيه من الخطر أن يجهر الإنسان بأيّ رأي حرّ، فكان جريئاً في طرحه، وقال إن هدف كل نظام اجتماعي وسياسي هو حفظ حقوق كل فرد، وإن الشعب وحده هو صاحب السيادة، وكان يهدف إلى النظام الجمهوري، فتحقق هذا النظام بالثورة الفرنسية بعد ثلاثة عقود حين اتخذ من هذا المؤلّف ركيزة لهذه الثورة.

 

في الكتاب الأوّل

يتكون الكتاب الأوّل لـ "العقد الاجتماعي" لروسو من تسعة فصول. يتحدث الفصل الأول عن اتفاقات نشأ منها النظام الاجتماعي الذي يعدّ حقا مقدسا وأساسا لكل الحقوق الأخرى، فهذا الحق غير مستمد من الطبيعة، ومفهوم العقد الاجتماعي مكون من فكرتي عقد الحكم، أي قيام الدولة على عقد بين الحاكم ورعيته، وعقد المجتمع الذي يوجد المجتمع نفسه.

وينصّ الفصل الثاني على أن الأسرة هي الأنموذج الأول لكل الجماعات السياسية، "فالحاكم هو ممثل الأب، والشعب، قياسا، هم أبناؤه، والجميع – لمّا كانوا مولودين متساوين وأحرارا - لا يتنازلون عن حريتهم إلا لمصلحتهم فقط. وكل الفرق هو أنه بينما في الأسرة يجد الأب لما يبذله من عناية في سبيل أبنائه، مكافأة كافية في حبه لهم، تحل متعة السيطرة في الدولة محل ذلك الحب الذي لا وجود له بين الحاكم والشعب".

يقول روسو، في الفصل الثالث، إن النتيجة الوحيدة لحق الأقوى هي لغو غير مفهوم، "إذ بمجرد اعتبار القوة هي الحق، يتغير المعلول بتغير العلة. فالقوي الذي يهزم غريمه يصبح وريثا لحقه. وبمجرد أن يصير في مكنتنا ألا نطيع دون أن نخشى ضررا، يصبح العصيان مشروعا. ولما كان الأقوى على حق دائما، فكل ما يتطلّبه الأمر منا هو أن نستحوذ على القوة".

أمّا في الفصل الرابع، فيسأل روسو: "إذا كان للمواطن العادي أن يتنازل عن حريته ويجعل نفسه عبدا لسيّد، فلماذا لا يستطيع شعب بأكمله أن يفعل نفس الشيء ويخضع نفسه لإرادة ملك؟".

ويرد في الفصل أن "التنازل" معناه الإعطاء أو البيع، والرجل الذي يصبح عبدا لآخر لا يعطي نفسه لأحد، إنه يبيع نفسه مقابل ما يقوم بأوده، أي يصلح أمره، على الأقل.

وفي الفصل الخامس، يقول الفيلسوف التنويري إمّه "يجب الرجوع دائما إلى اتفاق أول"، سيظل هناك دائما هوة واسعة من الاختلاف بين إخضاع جماعة غير منظمة وحكم جماعة اجتماعية. وإذا خضع أفراد منعزلون لسيطرة شخص واحد فلا يُرى في ذلك إلا سيدا وعبيدا لا شعبا ورئيسا.

وورد في الفصل السادس أنه لا بد من إيجاد اتحاد من شأنه استخدام قوة المجتمع كلها في حماية كل عضو من أعضائه وممتلكاته، بطريقة تجعل كل فرد يطيع إرادة نفسه ويظل حرا. وهذه هي المشكلة الأساسية التي يكفل العقد الاجتماعي حلها.

ونصّ الفصل السابع على أنّ عقد الاتحاد ينطوي على التزام متبادل بين المجموع والأفراد، وأنّ كل فرد كأنما يتعاقد مع نفسه ويترتب عليه التزام مزدوج: بوصفه عضوا في المجموع صاحب السيادة قبل الأفراد من المواطنين، وبوصفه مواطنا عضوا في الدولة قبل المجموع صاحب السيادة، من دون القدرة على تطبيق قاعدة القانون المدني التي بمقتضاها لا يترتب على المرء التزام بمقتضى تعاقده مع نفسه، لأن هناك فارقا كبيرا بين واجب الإنسان نحو نفسه وواجبه نحو مجموع هو جزء منه.

وقال روسو في الفصل الثامن إنّ ما يفقده الإنسان نتيجة للعقد الاجتماعي هو حريته الطبيعية، وحقه غير المحدود في الاستيلاء على ما يريد وما يستطيع الحصول عليه. أما ما يكسبه فهو الحرية المدنية، وملكية كل ما في حيازته.

أمّا الفصل التاسع، فيرى فيه جان جاك روسو أن الميثاق الأصلي هو أبعد ما يكون عن القضاء على المساواة الطبيعية، بل على النقيض من ذلك، إنه يحل مساواة قانونية ومعنوية محلها، مقابل ما قد تكون الطبيعة قد خلقته من عدم مساواة جثمانية بين الناس، وبذلك يصيرون جميعا متساوين قانونا واتفاقا، وإن كان بينهم تفاوت في القوة والذكاء.

 

في الكتاب الثاني

يضمّ الكتاب الثاني اثني عشر فصلا. يقول روسو في الفصل الأول منها إن الإرادة العامة وحدها هي التي تستطيع توجيه قوى الدولة نحو تحقيق الهدف من إنشائها، وهو الخير المشترك، لأنه إذا كان تعارض المصالح الخاصة هو الذي جعل إنشاء المجتمعات ضروريا، فإن اتفاق هذه المصالح نفسها هو الذي يجعلها في حيز الإمكان، ولو لم يكن هناك شيء من الاتفاق بين هذه المصالح لما قامت مجتمعات مطلقا.

ويقول الفصل الثاني إنّ السيادة لا تتجزأ للأسباب نفسها التي تجعلها غير قابلة للتنازل، فهي إما إرادة الشعب في مجموعه، وإما إرادة جزء منه فقط.

في الفصل الثالث، يقول روسو: "كثيرا ما يكون هناك فرق كبير بين إرادة الجميع والإرادة العامة، فهذه لا ترعى سوى الصالح المشترك، وتلك ترعى المصلحة الخاصة وليست سوى مجموع الإرادات الخاصة. ولكننا إذا نزعنا من تعبيرات هذه الإرادات المتفرقة الزيادات والنقصان، وهو ما يهدم بعضه البعض، فعندئذٍ لا يبقى لدينا سوى حاصل الخلافات، وهذه هي الإرادة العامة".

ويرى روسو في الفصل الرابع أن السلطة السيادية، رغم كونها مطلقة تماما ومقدسة تماما ولا تنقض أبدا، فإنها لا تتعدى حدود الاتفاقات العامة، وأن كل فرد يستطيع أن يتصرف في ما ترك له من ممتلكات وحرية بمقتضى هذه الاتفاقات، بحيث إن معقد السيادة لا حق له مطلقًا في تحميل أحد الرعايا أكثر مما يحمل غيره.

وفي الفصل الخامس، يقول روسو إن من يريد المحافظة على حياته على حساب الآخرين يجب عليه أيضا أن يبذلها في سبيلهم عندما يتطلب الأمر ، وأن حياته هبة مشروطة من الدولة.

ويرد في الفصل السادس أنّ القوانين ليست بالمعنى المحدد لها سوى شروط الاتحاد المدني. والناس إذ يخضعون للقانون، يجب أن يكونوا مصدره، فتحديد شروط المجتمع من حق أولئك الذين يتكون المجتمع باتحادهم.

وينصّ الفصل السابع على أنّ كل من يجرؤ على أن يأخذ على عاتقه أن يضع لشعب ما نظما، يجب أن يدرك أنه إنما يغير بذلك الطبيعة البشرية. إذ يحول كل فرد إلى جزء من كل أكبر يتلقى منه هذا، بمعنى ما، حياته وكيانه؛ ويبدل من تكوين الإنسان ليكفل له قوة أكبر؛ ويستبدل بالكيان المادي المستقل الذي تمنحنا إياه الطبيعة، كيانا جزئيا ومعنويا.

أمّا في الفصل الثامن، فيقول روسو إن معظم الشعوب، مثل الأفراد، لا تكون مرنة إلا في شبابها، لكنها عندما تتقدم في السن يتعذر تقويمها.

ووفقا للفصل التاسع، لا بد من أن يكون للدولة أساس صالح لضمان استقرارها، وتتخذ من الإجراءات ما لا بد منه لبقائها، إذ يوجد في جميع الشعوب نوع من القوة الطاردة من المركز تجعلها تعمل ضد بعضها البعض، فتتعرض الشعوب الضعيفة للابتلاع، ولا ينقذها إلا توازنها مع الشعوب الأخرى.

ويسأل روسو في الفصل العاشر: أي الشعوب هو أصلح مادة للتشريع؟ فيقول إنه الشعب الذي يرتبط برابطة من المصلحة أو الأصل أو العلاقة القديمة، والذي لم يخضع لوطأة القوانين الحقيقية، وليست لديه عادات وخرافات متأصلة، ولا يخشى غزوا مفاجئا، ويدافع عن نفسه، ويستطيع ألا يعتمد على أي شعب آخر، ولا هو غني ولا فقير لكنه يتمتع باكتفاء ذاتي، ويجمع بين متانة الشعب القديم ووداعة الشعب الحديث.

ويعتبر روسو في الفصل الحادي عشر أنّ ما يجعل نظام أي دولة متينا هو أن يؤخذ في الاعتبار أن تتفق القوانين والأوضاع الطبيعية، وألا يكون من شأن هذه القوانين إلا تأكيد تلك الأوضاع ومصاحبتها وتكييفها.

وفي الفصل الثاني عشر، يرى الفيلسوف السويسري أن حسن تنظيم الشؤون العامة يتطلب مراعاة علاقات عدة، أولاها علاقة الجسد كله بنفسه، أي العلاقة بين الكل والكل أو بين معقد السيادة والدولة، وثانيتها العلاقة بين الأعضاء وبعضهم البعض أو بينهم وبين المجموع، وثالثتها تلك التي تتعلق بالعقوبة لعدم الطاعة، ورابعتها علاقة تحدد النظام الحقيقي للدولة.

 

في الكتاب الثالث

يطلق روسو في الفصل الأول اسم الحكومة على أي هيئة متوسطة تنشأ لتكون وسيلة للاتصال المتبادل بين الرعايا ومَعقد السيادة، ويعهد إليها بتنفيذ القوانين وصيانة الحرية المدنية والسياسية، ويطلق اسم الحكم أو الإدارة العليا على الممارسة المشروعة للسلطة التنفيذية، والأمير أو الحاكم على الشخص، أو الهيئة، المكلّف بهذه الإدارة.

وفي الفصل الثاني، يرى الكاتب أنه إذا كانت الحكومة في يد شخص واحد، تتحد الإرادة الخاصة وإرادة الهيئة. لكن بما أن استعمال القوة يتوقف على درجة الإرادة، ولما كانت قوة الحكومة المطلقة لا تتغير، فإن أنشط الحكومات هي حكومة الشخص الواحد.

ونصّ الفصل الثالث على أنّ معقد السيادة يستطيع أن يعهد بمهمة الحكم إلى الشعب كله أو إلى الجزء الأكبر منه (ديموقراطية)، أو أن يحصر الحكومة في يد عدد صغير من المواطنين (أرستقراطية)، أو أن يركز كل الحكم في يد حاكم واحد يستمد الآخرون كلهم قوتهم منه (ملكية).

ويرى روسو في الفصل الرابع أن الديموقراطية الحقيقية لم توجد أبدا، ولن توجد. فمما يتعارض مع النظام الطبيعي أن يَحكُم الكثيرون ويُحكَم القليلون.

وفي الفصل الخامس، يتكلم روسو على أرستقراطية طبيعية وانتخابية ووراثية. الأولى تصلح لشعوب بدائية، والأخيرة أسوأ الحكومات، والثانية أفضلها، وهي الأرستقراطية بالمعنى الحقيقي.

ويرى روسو في الفصل السادس عيبا جوهريا في الحكم الملكي يجعله دائما أقل من الجمهورية، فصوت الشعب يرفع إلى المراتب الأولى أشخاصا متنورين يشغلونها بجدارة، بينما من يصلون إلى هذه المراكز في الملكيات يكونون من الدساسين. وبمجرد أن يتولوا المناصب الكبيرة يظهرون للجمهور عدم كفايتهم.

ووفقا للفصل السّابع، عندما تكون العلاقة بين الأمير ومعقد السيادة أقوى منها بينه وبين الشعب، يجب العمل على علاج هذا النقص بتقسيم الحكم، إذ لا تكون سلطة الأجزاء المختلفة على الشعب أقل، بينما يجعلها تقسيمها أقل قوة مجتمعة ضد معقد السيادة.

ويقول روسو في الفصل الثامن، ليست الحكومات كلها من طبيعة واحدة، فبعضها أقل أو أكثر شراهة، كما أن الفروق تقوم أيضا على أنه كلما بعدت الضرائب العامة عن مصدرها كانت أكثر إرهاقا.

وفي الفصل التاسع، يرد إذا سأل الإنسان ما هي العلامات التي يعرف المرء بها ما إذا كان شعب معيّن يحكم حكما صالحا أو سيئا، كل واحد يريد الإجابة عنه بطريقته.

أمّا في الفصل العاشر، فيقول روسو إن هناك طريقتين تفسد بهما الحكومات: تقلص الحكومة وانحلال الدولة. تتقلص الحكومة عندما تنتقل من الديموقراطية إلى الأرستقراطية إلى الملكية، وتنحل الدولة عندما يكفّ الأمير عن الحكم طبقا للقانون.

فيما يرى في الفصل الحادي عشر أن الجسد السياسي، مثل جسد الإنسان، يبدأ يموت منذ لحظة مولده، ويحمل في ذاته أسباب هلاكه.

وفي الفصل الثاني عشر، يقول روسو: "لما لم يكن لمعقد السيادة سوى السلطة التشريعية، فإنه لا يعمل إلا بقوانين، ولما لم تكن القوانين إلا التصرفات القانونية الحقيقية للإرادة العامة، فإن معقد السيادة لا يعمل إلا إذا اجتمع الشعب".

ويقول الكاتب في الفصل الثالث عشر، إنه لا يكفي أن يجتمع الشعب مرة للموافقة على مجموعة من القوانين، ولا يكفي أن ينشئ حكومة دائمة، أو أن يكفل وسيلة انتخاب الحكام مرة وينتهي الأمر، فإلى جانب الاجتماعات الاستثنائية العاجلة، يجب انعقاد اجتماعات دورية محددة، في يوم معيّن بقوة القانون، من دون انتظار دعوة رسمية.

وفي الفصل الرابع عشر، يقول روسو إنه بمجرد اجتماع الشعب اجتماعا شرعيا بوصفه هيئة سياسية، "تقف جميع اختصاصات الحكومة، وتتوقف السلطة التنفيذية، ويصبح شخص أقل مواطنٍ مقدسا وذا حرمة مثل أكبر حاكم، لأنه عندما يوجد الأصل لا محل لمن يمثله".

يرى روسو، في الفصل الخامس عشر، أن لا تمثيل في السيادة، للسبب نفسه الذي يجعلها غير قابلة للتنازل، فهي تتكون أساسا من الإرادة العامة، والإرادة لا تمثَّل مطلقا.

ويقول في الفصل السادس عشر، إنه لما كان المواطنون متساوين بمقتضى العقد الاجتماعي، فإن ما يجب أن يقوم به الجميع، يستطيع الجميع أن يقرروه، بدلا من أن يكون لأحد الحق في أن يطالب أحدا بأن يفعل ما لا يفعله هو نفسه.

وفي الفصل السابع عشر، يرد أن التصرف الذي يتم بمقتضاه تكوين الحكومة مركب من تصرفين: وضع القانون، وتنفيذه.

ويختتم الكتاب الثالث بالفصل الثامن عشر الّذي ينصّ على أنّه يجب عدم المساس بحكم قائم إلا إذا تعارض مع الخير العام. بيد أن تلك قاعدة من قواعد السياسة فحسب، وليست قاعدة قانونية.

 

في الكتاب الرابع

يحتوي الكتاب الأخير على تسعة فصول. في الفصل الأول، يقول روسو ربما تبدأ الرابطة الاجتماعية في التراخي وتبدأ الدولة في الضعف، وربما تنهار الدولة، فهل يتبع ذلك أن الإرادة العامة قد تَلفت أو انعدمت؟ لا؛ إنها تظل دائما كما هي نقية لا تنحرف، لكنها تخضع لإرادات أخرى تتغلب عليها.

ويقول في الفصل الثاني إنّ العقد الاجتماعي هو القانون الوحيد الذي يتطلب بطبيعته موافقة إجماعية، لكن إذا وُجد من يعارضه، فإن معارضته لا تفسد العقد، لكنها تمنعه من أن يكون طرفا فيه فقط.

وفي الفصل الثالث، يقول الكاتب إنه فيما يتعلق بانتخابات الأمير والحكام، توجد طريقتان: الاختيار والقرعة. الأولى لملء المناصب التي تتطلب موهبة، والثانية لملء المناصب التي يكفي فيها الإدراك السليم والعدالة والنزاهة.

ووفقا لروسو، في الفصل الرابع، كان لا بد من توافر ثلاثة شروط حتى يعتبر اجتماع المجالس الشعبية الرومانية شرعيا: للحاكم أو الهيئة التي توجه دعوة الانعقاد السلطة الضرورية لدعوتها، وأن يتم الاجتماع في أحد الأيام التي يحددها القانون، وأن يكون الفأل موافقا.

أمّا في الفصل الخامس، فلا يعتبر روسو المحاماة عن الشعب جزءا من مكونات المدينة السياسية، ولا يجب أن يكون لها أي نصيب في السلطة، وهذا هو سر قوتها، فهي إذ لا تستطيع أن تفعل شيئا، تستطيع أن تمنع كل شيء.

وفي الفصل السادس، يقول روسو إنّه في بدايات الجمهورية، كثر الالتجاء إلى الدكتاتورية، لأن الدولة لم تكن قد توافرت لها بعد قاعدة ثابتة لبقائها بقوة نظامها وحده. ولما كانت المعايير الأخلاقية عندئذٍ تجعل الاحتياطات عديمة الجدوى، لم يكن الناس يخشون أن يسيء دكتاتور استعمال سلطته، بل كان يبدو كأن هذه السلطة الضخمة عبء على عاتقه، فيسرع في التخلص منها.

وينصّ الفصل السابع على أنّ الرأي العام هو القانون الذي يعد الرقيب منفذه، ولا يطبقه إلا في حالات خاصة. ومن ثم، ليست الرقابة تحكّما في رأي الشعب، بل وسيلة إعلانه، وبمجرد أن تنحرف عن ذلك صارت قراراتها لاغية.

وقسّم الفصل الثامن الدين في علاقته بالمجتمع إلى نوعين: دين الإنسان ودين المواطن. الأول محدود بالعبادة الداخلية لله الأعلى وبالواجبات الأخلاقية الأبدية، والثاني مدون في بلد واحد، ويمنحه آلهته وحماته الحافظين الخاصين به، وله عقائده وطقوسه وعباداته الخارجية مدونة في صورة قوانين. وهناك نوع ثالث هو دين اللاما ودين اليابان والمسيحية الرومانية.

ويختتم جان جاك روسو كتابه في الفصل التاسع، ويقول: "بعد أن وضعنا المبادئ الحقيقية للقانون السياسي وحاولنا إقامة الدولة على أسسها، يبقى بعد ذلك أن ندعها بصلاتها الخارجية، وهذا يتضمن قانون الأمم والتجارة وحق الحرب والغزو والقانون العام والأحلاف والمفاوضات والمعاهدات".

galleries/tasri7-01-01-01-01.png

من الممكن أن يعجبك أيضاً