post

عواقب وخيمة على جيل كامل.. كيف أثر وباء كورونا على أدمغة الأطفال والمراهقين؟

العالم الأربعاء 14 ديسمبر 2022

توصلت دراسة حديثة أجراها باحثون من جامعة ستانفورد الأميركية إلى أن الضغط النفسي الناجم عن تفشي وباء كورونا يؤدي إلى هرم أدمغة المراهقين.

وأشارت الدراسة التي نُشرت في دورية "بيولوجيكال سايكاتري: غلوبال أوبن ساينس" (Biological Psychiatry: Global Open Science) إلى أن الضغوط النفسية المرتبطة بتفشي جائحة كورونا غيّرت بنية أدمغة المراهقين، وجعلتها تبدو أكبر بعدة سنوات من أدمغة أقرانهم قبل الجائحة.

تأثيرات عضوية على الدماغ

وفي عام 2020 وحده ارتفعت حالات القلق والاكتئاب لدى البالغين بأكثر من 25% مقارنة بالسنوات السابقة، وتشير النتائج الجديدة إلى أن آثار الوباء على الصحة النفسية والعصبية للمراهقين ربما كانت أسوأ.

وقال الباحث الرئيسي في هذه الدراسة وأستاذ علم النفس في كلية العلوم الإنسانية والعلوم بجامعة ستانفورد، إيان جوتليب، في البيان الصحفي المنشور على موقع الجامعة، "نحن نعلم بالفعل من الأبحاث السابقة أن الجائحة قد أثرت سلبا على الصحة العقلية لدى الشباب، لكننا لم نكن نعرف إذا كان لها تأثير عضوي على أدمغتهم".

وذكر جوتليب أن التغييرات في بنية الدماغ تحدث بشكل طبيعي مع التقدم في العمر. وخلال فترة البلوغ وسنوات المراهقة المبكرة، تشهد أجسام الأطفال نموا متزايدا في كل من الحصين واللوزة الدماغية، وهي مناطق في الدماغ تتحكم في الوصول إلى ذكريات معينة وتساعد على تعديل المشاعر. وفي الوقت نفسه، تصبح أنسجة القشرة الدماغية التي تشارك في وظائف تنفيذية، أرق.

وقورنت فحوص التصوير بالرنين المغناطيسي لمجموعة مكونة من 163 طفلا ومراهقا تم تصويرها قبل الجائحة وفي أثنائها، وأظهرت دراسة جوتليب أن نمو الدماغ تسارع لدى المراهقين أثناء فترة حظر التجول والإغلاقات التي صاحبت جائحة كورونا.

وأضاف أن هذه التغييرات المتسارعة في "عمر الدماغ" ظهرت حتى الآن فقط في الأطفال الذين عانوا من محنة مزمنة، سواء بسبب العنف، أو الإهمال، أو الاختلال الأسري، أو مجموعة من العوامل المتعددة التي تفشّت خلال الوباء.

عمر الدماغ والعمر الزمني

وأشار جوتليب إلى أن المعاناة من المحن مرتبطة بتراجع الصحة العقلية في وقت لاحق من الحياة، ومع ذلك فمن غير الواضح إذا كانت التغييرات في بنية الدماغ التي شاهدها فريق ستانفورد البحثي مرتبطة بتغيرات لاحقة في الصحة العقلية.

وأضاف الباحث، وهو أيضا مدير مختبر ستانفورد للنمو العصبي والتأثير والاضطرابات النفسية (SNAP) بجامعة ستانفورد، "ليس من الواضح أيضا إذا كانت التغييرات دائمة، وهل سيلحق عمرهم الفعلي في النهاية بعمر الدماغ؟ وإذا ظل دماغهم دائما أكبر سنًّا من عمره الزمني، فمن غير الواضح ما ستكون عليه النتائج في المستقبل".

وبالنسبة لشخص يبلغ من العمر 70 أو 80 عاما، يُتوقع بعض المشكلات المعرفية والمشكلات في الذاكرة بناء على التغيرات في الدماغ، ولكن ماذا يعني ذلك لأشخاص يبلغون من العمر 16 عاما إذا كانت أدمغتهم تتقدم في العمر قبل الأوان؟

ما بعد الوباء ليس كما قبله

كما أوضح جوتليب أن دراسته في الأصل لم تكن مصممة للنظر في تأثير وباء كورونا على بنية الدماغ، بل كانت في إطار دراسة طويلة الأمد حول الاكتئاب أثناء البلوغ، ولكن عندما تفشى الوباء لم يتمكنوا من إجراء فحوص التصوير بالرنين المغناطيسي المجدولة بانتظام على هؤلاء الشباب.

وبمجرد أن تمكن وفريقه من مواصلة عمليات تصوير الدماغ للمراهقين، كانت الدراسة متأخرة عاما عن الجدول الزمني المفترض. وأضاف "بعد النظر إلى بياناتنا، أدركنا أنه مقارنة بالمراهقين الذين تم تقييمهم قبل الوباء، فإن المراهقين الذين تم تقييمهم بعد انتهاء الجائحة لم تكن لديهم فقط مشاكل صحية عقلية أكثر حدّة، ولكن أيضا قلّت سماكة قشرة الدماغ لديهم، وازداد حجم الحصين واللوزة، وأصبح عمر أدمغتهم أكبر من عمرهم الفعلي".

ويمكن أن تكون لهذه النتائج آثار كبيرة على الدراسات الطولية الأخرى التي امتدت عبر الوباء، فإذا أظهر الأطفال الذين عانوا من الوباء نموًّا متسارعًا في أدمغتهم، فسيتعين على العلماء حساب معدل النمو غير الطبيعي في أي بحث مستقبلي يشمل هذا الجيل، كما قال جوتليب إن "الوباء ظاهرة عالمية، حيث لا يوجد أحد لم يختبرها، لذا لا توجد مجموعة تحكم حقيقية للمقارنة".

عواقب وخيمة على جيل كامل

وأضاف الباحث المشارك جوناس ميلر، الأستاذ المساعد في العلوم النفسية في جامعة "كونيتيكت" الأميركية، أنه قد تكون لهذه النتائج أيضا عواقب وخيمة على جيل كامل من المراهقين في وقت لاحق من الحياة.

وأوضح "في فترة المراهقة تحدث بالفعل إعادة تنظيم سريعة في الدماغ، وهي مرتبطة بزيادة معدلات مشاكل الصحة العقلية والاكتئاب، والسلوك المنطوي على المخاطرة".

وأردف "الآن لديك هذا الحدث العالمي، حيث واجه الجميع نوعا من المحن والاضطراب في الروتين اليومي، لذا قد يعني ذلك أن أدمغة الأطفال الذين يبلغون من العمر 16 أو 17 عاما اليوم لا يمكن مقارنتها بأدمغة نظرائهم قبل بضع سنوات فقط".

ويخطط جوتليب للاستمرار في متابعة المجموعة نفسها من المراهقين خلال فترة بلوغهم اللاحقة في المستقبل، لتتبّع تأثير جائحة كورونا إذا كانت قد غيّرت مسار نمو أدمغتهم على المدى البعيد، كما يخطط أيضًا لمراقبة الصحة العقلية لهؤلاء المراهقين ومقارنة بنية الدماغ لأولئك الذين أصيبوا بالفيروس مع أولئك الذين لم يصابوا به، بهدف تحديد أي اختلافات طفيفة قد تكون حدثت في بنية الدماغ.

تثر-كورونا.jpg

من الممكن أن يعجبك أيضاً