نقلا عن جريدة الشروق

جزء هام من قاعدة بيانات الشعب التونسي ستصبح بيد "الموساد الاسرائيلي"، قد يبدو هذا المعطى صادما وقد يبدو للبعض مفارقا للواقع، خاصة إذا قلنا إن المدخل الأساسي لاختراق وتجميع هذه البيانات سيكون رياضيا وعن طريق رسمي، لكن إذا عُرفت كل خطوات هذا المسار تسقط كل التساؤلات ونجد أنفسنا في عمق مقاربة "ترويض الجماهير" عبر قراءة وتفكيك بياناتها.

منذ أسابيع قليلة مر خبر فوز شركة إيطالية مغمورة (سيزال) بصفقة إدارة ألعاب الرهان الرياضي في تونس رفقة "برومسبور" التي ستكون واجهتها الأساسية في ظلام دامس وكأن الخبر يتعلق فقط بمعطى تقني رياضي، لكن البحث في ما يُراد إخفاءه حول واجهات تبدو للوهلة الأولى خارج مسارات الشبهة، مثير للشك والريبة.

موارد مالية

ينطلق السؤال الجوهري حول هذا الملف، من الرغبة في استقدام شركات أجنبية إلى حقل تونسي مليء بالمستثمرين التونسيين، فشركة "سيزال" التي فازت بالصفقة ليست الأولى التي ستستثمر في أرض رهان رياضي يتّسم بالعذرية المطلقة، بل هناك شركات تونسية صرفة تستثمر في هذا القطاع ودفعت أموالا طائلة كضرائب، قبل أن يتقرر بشكل مفاجئ قبل هذه الصفقة التضييق عليها وغلق بعض مقراتها.

القراءة الأولى تحيل إلى أن ما تم القيام به مخالف لعقل الدولة التي تسعى وراء تعبئة مواردها المالية وأكدت اعترافها بهذه الشركات في قانون المالية لسنة 2021، إذ تحدث أحد الفصول صراحة عن توظيف ضرائب عن هذا القطاع، لكن التمعن جيدا في قراءة الحدث يمكن أن يحيل إلى اتجاهات أخرى.

رجل أعمال إسرائيلي

أما القراءة الكرونولوجية للتاريخ القريب للشركة الإيطالية تحيل إلى التالي: رجل الأعمال الإسرائيلي" teddy sagi " هو مؤسس شركة الرهانات وألعاب الحظ العالمية " playtech"  وهي من أشهر الشركات عالميا، تعمل كثيرا ويُقال عنها الكثير.

شركة " playtech " شريك استراتيجي لشركة" flutter entertainment" وتساعدها خاصة في كل ما يتعلق بالتكنولوجيات والبرمجيات الجديدة التي تطورها " playtech" ويمتد نشاطها إلى عدد من الدول أهمها لندن وإسرائيل.

شركة " flutter" اشترت شركة " Sisal" الإيطالية قبل أشهر فقط من إمضاء الاتفاق مع الشركة التونسية " Promosport" وهذا ما يدفع لسؤال مشروع حول هذا التزامن الغريب وسعي الشركة الإسرائيلية إلى دخول تونس عبر طريق معقد وطويل.

الشركة الإسرائيلية اختصاصها تطوير البرمجيات في إطار الشراكة الاستراتيجية مع شركة "Flutter" المالك الجديد لشركة "Sisal" ستتمكن من كل المعطيات الشخصية لكل تونسي راغب في خوض تجربة الرهان الرياضي الالكتروني.  هذا الترتيب الكرونولوجي قد يزيل الغموض ولو نسبيا، عن هذه العملية التي تبدو فائقة الدقة ويمكن أن تكون تكرارا واستنساخا لتجارب أخرى تم القيام بها مع دول أخرى، يصعب على الإدارة التونسية اقتفاء أثرها وتأويلها سياسيا، ويبدو البقاء في المربع التقني أكثر سهولة ويسرا.

ما يحيل إلى البصمة السياسية لهذه العملية أن مبلغ الصفقة زهيد (في حدود الخمسين مليار) مقارنة بالنفود المالي للشركة الإسرائيلية، وانطلاقا من هذه الزاوية يمكن طرح السيرة الذاتية لمؤسس الشركة، للبحث والتمحيص.

ثامن أغنى إسرائيلي

تدي سـَگي (بالعبرية: טדי שגיא‎؛ بالإنگليزية: Teddy Sagi)  حسب ما تعرّفه المواقع المختصة في السير الذاتية، هو رجل أعمال إسرائيلي. يستثمر في مجال برمجيات القمار وصناعة النفط. في 2013 قدرت فوربس صافي ثروته بمبلغ 2.3 بليون دولار، ليصبح ثامن أغنى شخص في إسرائيل.

يمتلك أغلبية أسهم شركة playtech وسنة 2016 كشفت أوراق بنما أنه أكبر مالكي صناعة القمار في بريطانيا، يحتفظ بحساباته في الملجأ الضريبي، جزيرة جرسي (بالقنال الإنجليزي)، ويحول أمواله إلى إسرائيل عبر بعض الشركات التي سجلها من خلال مكتب المحاماة "موساك فونسيكا".

قطب القمار

يقيم في تل أبيب، يسمى في إسرائيل "بقطب القمار" وأدين في إسرائيل في قضايا رشوة وقضايا تلاعب في بورصة تل أبيب، وحكم عليه بالسجن تسعة أشهر وحظر تعامله في البورصة لمدة 15 شهر موّل، مع أبيه، إنشاء مركز ساگي لأبحاث الإنترنت في جامعة حيفا.

مؤخرا تعرض إلى محاولة اغتيال، وقال مكتب رئيس الوزراء الصهيوني، نفتالي بينيت، إن “محاولة اغتيال الملياردير الإسرائيلي، تيدي ساكي (أو ساجي)، في قبرص، كانت محاولة إيرانية لاستهداف رجال أعمال إسرائيليين”. وأضاف المتحدث باسم رئيس الوزراء: “خلافا لبعض المنشورات التي بشأن الحدث في قبرص، أوضحت نيابة عن الأجهزة الأمنية بأن هذه هي عملية إرهابية تم توجيهها من قبل إيران استهدفت رجال أعمال إسرائيليين يسكنون في قبرص”، لافتا إلى أن “محاولة اغتيال الملياردير الإسرائيلي، تيدي ساجي، في قبرص، كانت محاولة إيرانية لاستهداف رجال أعمال إسرائيليين”.

أطراف مشبوهة

خارج كل هذه المسارات، صرح المدير العام للشركة الوطنية للنهوض بالرياضة عادل زرمديني، بأن ردود الفعل حول الصفقة الأخيرة مع الشركة الإيطالية  كانت منتظرة وهي "آخر المحاولات اليائسة من قبل أطراف تسعى لتعطيل مسار اللازمة"، مشيرا إلى أن المؤسسة لا تعمل خارج إطار القانون وبالتالي أصدرت طلب عروض دولي مسبوق بالتعبير عن الرغبة في 2019 قبل أن تتكون هذه الشركات التي تعمل خارج إطار القانون وهي شركات إعلامية دخلت عن طريق الإعلامية.

الزرمديني وُجه له أمس سؤال حول وجود  شبهة تطبيع رياضي في هذا الملف، قائلا إنها "خطة خبيثة يراد من خلالها التشويش على الصفقة" اما عن بيانات ومعطيات التونسيين، فقد كان الزرمديني مطمئنا وقال إنها ستبقى في تونس، مشيرا إلى أن دولة  المغرب أيضا كانت لها صفقة مع هذه الشركة التي تدر على الدولة 300 مليون دولار.

لا مجال هنا للحديث عن العلاقة السياسية بين المغرب واسرائيل، لكن قياس الصفقة بميزان الدولار قد يبدو خارج السياق، إن كان الأمر يتعلق بالأمن القومي، خاصة مع وجود علاقات مشبوهة بين الشركة والموساد التي يمكن أن تحال لها شكل مباشر أو غير مباشر كل بيانات "مدمني" ألعاب الرهان الرياضي الإلكتروني أو الراغبين الجدد في خوض غمار هذه التجربة.