post

هل أن الاقتراع على الأفراد هو الحلّ الأمثل لبلادنا؟

تونس السبت 09 أفريل 2022

استبق الرئيس قيس سعيد نتائج الحوار الوطني الذي من المفترض أن يضمن نقاشا في كل المسائل ويحدد الخطوط العريضة للإصلاحات الكبرى التي ستشمل النظام السياسي والجانب الاقتصادي والاجتماعي، ليعلن أن الانتخابات التشريعية القادمة والمقررة في 17 من ديسمبر 2022 ستكون على الأفراد وليس القائمات وفي دورتين.

وقال الرئيس سعيّد إن هيئة الانتخابات ستتكفل بمهمة الإشراف على عملية الاقتراع ولكن بتركيبة جديدة. وتحدث سعيد عن فرضية تعديل الدستور أو وضع آخر جديد ولكن بعد إجراء الاستفتاء المقرر في 25 جويلية القادم وظهور النتائج.

بين الأمس واليوم

وعاشت الساحة السياسية في 2011 نقاشا مشابها لما تعيشه اليوم، حول أي نظام اقتراع هو الأنسب. وانتهت فيه النقاشات إلى الصعوبة الفنية والتقنية في اعتماد نظام الاقتراع على الأفراد، مقابل قلة قليلة دافعت عنه. وانتهى النقاش في 2011 باعتماد طريقة الاقتراع على القائمات مع أفضل البقايا.

وقدّم سعيّد تصوره عن نظام الاقتراع الأنسب ضمن مشروع "البناء الجديد" الذي يبحث عن إسقاط المنظومة الدستورية والنظام السياسي والإداري الذي جاء به دستور 2014.

ويصطدم هذا التصور بعوائق عديدة، منها التقني وكيفية تقسيم الدوائر الانتخابية الجديدة دون هدم مبدأ أساسي وهو "مساواة المواطنين" الذي سينسف باعتماد المعتمديات كدوائر انتخابية ستفرز برلمانا فيه نائب يمثل عشرات الآلاف من التونسيين ونائب يمثل المئات.

إضافة إلى أن خصائص المجتمع التونسي ستكون عقبة أخرى، فالمجتمع التونسي تهيمن عليه النزعة الذكورية وهذا سيحول دون تمثيل المرأة، إضافة إلى أن القبلية والعشائرية لازالت قائمة ورئيس الدولة نفسه تدخل في 2020 لحلّ خلاف قبلي في الجنوب التونسي على قطعة أرض أسفر عنه سقوط 60 جريحا.

ولا ننسى حقيقة أن أكبر مستفيد من نظام الاقتراع على الأفراد هم من يتمتعون بواجهات اجتماعية وجهوية وعائلية وعشائرية، إضافة إلى التمتع بثروة تسمح لهم بالتأثير في الناخبين، وهذا يناقض مع من يدافع عن الاقتراع على الأفراد بتعلة تنقية المشهد السياسي من الفساد.

وما طرحه الرئيس من اقتراع على الأفراد ودستور جديد عمق الاختلاف في الساحة السياسية وحتى القانونية بين من يرى في ذلك ذهابا نحو المجهول وبين مؤيد لذلك.

التشجيع على الوجاهة العائلية والعروشية

وأوضح نائب رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات فاروق بوعسكر أن نظام الاقتراع على الأفراد بَدَلَ القائمات سيكون ناجحا عند إجرائه في دوائر انتخابية ضيقة أي في دوائر بلدية أو معتمدية باعتبار أن جميع المترشحين في كل دائرة يعرفون بعضهم جيدا.

وفيما يتعلق بسلبيات نظام التصويت على أفراد، قال بوعسكر في تصريح صحفي، إنه سيشجع على الوجاهة العائلية والعروشية والمحلية بمعنى أن المترشح الذي له عائلة كبيرة سيكون المسيطر على تلك الدائرة والأمر ذاته للمترشح الذي له إمكانيات مادية. وأكد في هذا السياق ضرورة إعادة النظر في تقسيم الدوائر الانتخابية.

أمر خطير

وقال الرئيس السابق للهيئة العليا المستقلة للانتخابات محمد التليلي المنصري في تصريح صحفي، إن "الاقتراع على الأفراد ما زال فكرة طرحها الرئيس وهي ستخضع للحوار". وأضاف المنصري: "الرئيس عندما التقى نائب رئيس هيئة الانتخابات أكد له أن الهيئة ستكون طرفا للتشاور في ذلك".

ولفت الرئيس السابق للهيئة إلى أن "الاقتراع على الأفراد له إيجابيات منها أن الدائرة الانتخابية أصغر من دائرة القائمات". واستدرك قائلا: "في المقابل، هناك سلبيات في هذه العملية، تتمثل في إقصاء حضور المرأة، الناخبون يقومون باختيار رجال في أغلبهم وليس نساء والحال أن القانون الانتخابي الحالي يشترط التناصف وحضور المرأة في البرلمان". وتابع: "هناك أيضا سلبية، وهي إقصاء الشباب، ومن له أموال ينجح ولكن غيره يفشل حتى لو كانت له الكفاءة".

وشدد المنصري على ضرورة إجراء دراسة معمقة على هذه العملية وحوار هادئ لمعرفة مدى قدرتها على التماشي مع المجتمع التونسي، وحذّر من دعمها للقبلية والعروشية وهو أمر خطير، على حد تعبيره. كما أقر بوجود صعوبة حقيقية في عملية الاقتراع على الأفراد، وأوضح أن الواقع الاجتماعي والاقتصادي سيتحكم في نسبة التسجيل والمشاركة، وأن عدم وجود حوار سيؤثر سلبا.

تعميق منطق الولاء

واعتبرت أستاذة القانون الدستوري سلسبيل القليبي، في تدوينة نشرتها على حسابها الخاصّ بالفايسبوك أنّ نظام الإقتراع على الأفراد لا يضمن حظوظ وافرة للشباب في الفوز وسيُساهم في تراجع المرأة في الهياكل النيابية المنتخبة.

كما أفادت القليبي في تدوينتها أنّ نظام الاقتراع على الأفراد لن يضمن فوز ''نواب من صفوة القوم''، بالإضافة إلى أنّ هذا النظام وفق تقديرها سيُساهم في انخفاض حظوظ الشباب في الفوز، وقالت "معناها كيف يترشّح مثلا في دايرة انتخابية شاب متخرّج مالجامعة ويكون منافسو وإلا منافسيه في نفس الدايرة أعيان مكرّكين خاصة إذا كانو متيسّرين مادّيا (موش مهمّ يعرفو يكتبو أساميهم عالقلّة وإلا لا) قدّاش تتصورو حظوظ الشاب في الفوز؟".

وأوضحت القليبي أنّ نظام الإقتراع على الأفراد لن يضمن فوز الشخصيات المرموقة في المجتمع المعروفة بعلمها وأخلاقها نظرا إلى حملة الشيطنة التي تعرّض لها أصحاب المعرفة وكلّ من أبدى ''تمنّع عن الانسياق للمزاج العام".

وأكّدت أنّ الاقتراع على الأفراد سيُساهم في تراجع حضور المرأة في الهياكل النيابية المنتخبة. وأوضحت أنّ هذا النظام لن يقدّم تمثيلية أفضل واعتبرت أنّ الاقتراع على الأفراد في مجتمعنا التونسي سيزيد من تقويض فكرة أن الدولة يجب أن تكون قائمة على مؤسّسات وليس على علاقات شخصية، وقالت'' وبالتالي باش يعمّق منطق الولاء لولد العمّ والخال والعرش والعَرف والواصل".

مشاكل عميقة

وقال الباحث في القانون الدستوري رابح الخرايفي إن لنظام الاقتراع عن الأفراد محاسنه لكن يجب الانتباه أكثر إلى مخاطره والمشاكل العميقة التي يطرحها، وأخذ ذلك بعين الاعتبار عند صياغة القانون الانتخابي.

ونبّه الخرايفي في تصريح إذاعي، إلى أن نظام الاقتراع عن الأفراد سيفرز عديد المشاكل أبرزها المساس بمبدأ التناصف وتمثيلية المرأة والشباب في المجلس النيابي المقبل.

كمال قال الخرايفي إن الاقتراع عن الأفراد قد يحيي ويعمق نعرة العروشية والقبلية بما يمثل خطرا على وحدة البلاد، فضلا عن إمكانية تصعيد ما يعرف بالأثرياء الجدد وأصحاب التأثير المالي بما يفرز مجلسا نيابيا متكون من غير النزهاء والمقتدرين والأكفاء، وفق تقديره.

وبين الخرايفي أن المجلس المقبل، إذا تم اعتماد خيار الاقتراع عن الأفراد، سيكون فسيفساء متنوعا ولا روابط بين نوابه بما يجعل أداءه ضعيفا وهزيلا، ولا يضمن وجود سند برلماني للحكومة ورئيس الدولة إلا إذا تكون حزبا لرئيس الجمهورية ينافس به بقية الأحزاب. وأشار إلى أن هذا النظام يغيب دور ومساهمة الأحزاب السياسية.

واعتبر الخرايفي ان اعتماد نظام الاقتراع عن الأفراد يفترض التفكير في آليات تقسيم الدوائر الانتخابية إلى دوائر ضيقة سواء حسب البلديات أو المعتمديات أو عدد معين من الأفراد، وهو ما سينعكس على عدد نواب البرلمان سواء بالزيادة أو النقصان.

إعادة تقسيم الدوائر الانتخابية

من جهتها، قالت أستاذة القانون الدستوري بالجامعة التونسية منى كريّم إن نظام الاقتراع على الأفراد يقطع تماما مع المنظومة الحزبية ويعكس تصورا جديدا لتركيبة المجلس النيابي الذي سيكون مجلسا متكونا من أفراد ينتخبهم الشعب بناء على معرفة شخصية بين الناخب والنائب، وينعدم من خلال هذا النظام التنافس الحزبي وتغيب البرامج الانتخابية.

وبينت كريّم في تصريح إذاعي، أن نظام الاقتراع على الأفراد يتطلب إعادة تقسيم الدوائر الانتخابية إلى دوائر صغيرة. وحذرت من مخاطر تأثر نظام الاقتراع على الأفراد بالمال السياسي وبالأشخاص والمجموعات ذات التأثير السياسي والمالي في المنطقة بما يؤثر على نتائج الانتخابات ويصعد فئة مدعومة إلى المجلس التشريعي.

واعتبرت كريّم أنه وبنظام الاقتراع على الأفراد في دورتين، من الصعب أن يتمكن الأفراد الذين يتم انتخابهم في المجلس التشريعي من تشكيل أغلبية داعمة للحكومة، إلا اذا تم الاختيار على أن يكون ثمة استقلال تام بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية، وأضافت أنه لن يكون المشهد البرلماني وطريقة عمله أكثر يسرا من ما كان عليه الوضع في المجلس النيابي الذي قرر سعيد حلّه.

الاقتراع على القائمات

وكرست تونس نظام الاقتراع على القائمات الحزبية والمستقلة في دورة وحيدة وبتوزيع المقاعد في مستوى الدوائر الانتخابية مع الاعتماد على قاعدة التمثيل النسبي مع أكبر البقايا الانتخابية، وتم وضع هذا النظام بعد نقاشات طويلة بين الأحزاب والمنظمات والحقوقيين صلب الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي التي أحدثت مباشرة بعد الثورة في 2011 ومكنت من وضع قانون انتخابي.

ومكن النظام الانتخابي في تلك الفترة من إشراك أكبر قدر من الطيف السياسي المتنوع والصعود إلى أول برلمان متنوع وتعددي منذ الثورة، حيث كان الهدف إشراك الجميع في صياغة دستور تشاركي من قبل المجلس الوطني التأسيسي (2011-2014).

وساهمت هذه المنظومة الانتخابية في صعود تمثيلية هامة للمرأة تجاوزت ثلث تركيبة البرلمان المتكون من 217 عضوا، إلى جانب إشراك مهم للشباب، وهو ما كان محل إشادة أممية من المراقبين الدوليين ومتابعي سيرورة الانتخابات خلال السنوات الماضية.

inbound7384653194626686366.jpg

من الممكن أن يعجبك أيضاً